0 تصويتات
في تصنيف إسلامية بواسطة (3.7مليون نقاط)

خطبة الجمعة القادمة بعنوان الصحابة والإستجابة، للشيخ محمد عبد التواب سويدان 

خطبة الجمعة القادمة بعنوان الصحابة والإستجابة، للشيخ محمد عبد التواب سويدان 

 الخطبة الاولى : 

الحمد لله على إحسانه والشكر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ أما بعد فيا أيها المسلمون؛ يقول الله ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [ الأنفال: 24] تعالوا لنتأمل هذه الآية؛ لنتساءل كيف يدعونا الله إلى الحياة ونحن أحياء؟ وما هي الحياة الحقيقية؟ وماذا يريد الله بهذا الخطاب؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه-: “إذا سمعت ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فأرع لها سمعك، فإنها إما خير تُؤمر به أو شرّ تُنْهَى عنه”

أيها الأحبة : إن الله سبحانه- يوجهنا في هذه الآية إلى أمر عظيم، ألا وهو بيان أن حياة الإنسان الحقيقية تبدأ عندما يستجيب لأمر الله ورسوله، ويلتزم به، ويطبقه في واقع حياته، قال تعالى ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:122]

فالذين يستجيبون لله وللرسول ظاهراً وباطناً هم الأحياء في عالم الأموات وإن كانوا أقل الناس مالاً وعلماً وعدة وعدداً، وهم السعداء رغم فقرهم وحاجتهم، وهم الأغنياء وإن قلَّت ذات أيديهم، وهم الأعزة وإن قلَّ الأهل والعشيرة؛ وغيرهم هم الأموات حقيقةً وإن كانوا أحياء الأبدان، يَسْعَوْنَ بين الناس ذهاباً و إيابا، فعلى قدر الاستجابة تكون الحياة. 

كما أن للذين يستجيبون لله وللرسول الجنة، قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[الرعد:١٨].

والاستجابة سبب في قبول الدعاء : قال تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة:١٨٦]: فليستجيبوا لي بفعل الأوامر واجتناب النواهي.

والإستجابة كذلك من علامات الإيمان: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)[الشورى:٢٦] 

وبالاستجابة ينال العبد مغفرة الله: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الأحقاف:٣١-٣٢].

أيها المسلمون عبــاد الله : وحتى نكون من أهل الاستجابة ونفوز بتلك الثمار العظيمة والهبات الوفيرة التي وعد الله أهلها، تعالوا بنا لنتأمل في صفحات مشرقة ونماذج من حياة المستجيبين لنستنير بها في تحقيق الاستجابة لرب العالمين ورسوله الأمين؛ فلقد كانت حياتهم موقوفة على السمع والطاعة والإقبال على ربهم فكانوا جنوداً مخلصين وقائمين عند حدود الله؛ فمن تلك النماذج :

♦ لما سقط مسطح بن أثاثة بحادثة الإفك شقَّ ذلك على أبي بكر رضي الله عنه وقال: هذا أمر لم نتهم به في الجاهلية، فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام؟! وحَلَفَ أن لا ينفع مِسطحاً بنافعة أبداً وكان ينفق عليه، فأنزل الله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [ سورة النور: ٢٢ ] 

وسمعها أبو بكر فقال "بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا "وعاد له بما كان يصنع. [ رواه البخاري ]

♦ وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتيه الحُر بن قيس وعمه عيينة بن حصن فيقول عيينة للخليفة عمر “هيَّ يا ابن الخطاب، فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل” فغضب عمر حتى همَّ به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إن الله -تعالى- قال لنبيه ﷺ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [ سورة الأعراف : ١٩] وإن هذا من الجاهلين؛ 

يقول ابن عباس : والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله.

ويأتي الحجر الأسود فيُقبله ويقول "أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك"(متفق عليه) فيدع قناعته وما يمليه عقله استجابةً وامتثالًا.

♦ وهذا على بن أبي طالب فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: لأُعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يَفتح الله على يديه، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ" قال: فتساوَرتُ لها؛ رجاء أن أُدعَى لها، قال: فدعا رسول الله ﷺ عليَّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال: امشِ ولا تَلتفِت حتى يَفتح الله عليك، فسار عليٌّ شيئًا ثم وقَف ولم يَلتفِت، فصرخ : يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ فقال: قاتِلهم حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمّداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منَعوا منكَ دِماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحِسابُهم على الله)

فانظر أيها المسلم كيف طبق علي بن أبي طالب أمر الرسول لما قال له: ((ولا تلتفت))، فلما ناداه لم يتلفت وأجابه.

♦ وانظروا رحمكم الله إلى حسن الاستجابة والاتباع عندما نزل قول الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90] فقد جاء في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا"

وهذا شيء عجيب في تحقيق الاستجابة والاتباع، فترك الخمر لمن أدمن عليها عشرات السنين بمجرد هذا القول يدل على قوة الإيمان وصدق الامتثال لأمر الله ورسوله.

♦ ويوم أن جاء الأمر الرباني بتحويل القبلة من المسجد الأقصى الذي تحاك حوله المؤامرات هذه الأيام إلى البيت الحرام ليتميز المسلمون في كل شيء، بلغ المسلمين الخبر في أطراف المدينة وهم في الصلاة، يروي هذه الحادثة الصحابي الجليل عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فيقول: "بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ" رواه البخاري.

إنهم لم ينتظروا حتى يكملوا الصلاة، بل استداروا وهم ركوع في الصلاة خشية أن يقعوا في دائرة معصية الله ورسوله، لقد هزموا بالاستجابة لأمر الله ورسوله ثورة نفوسهم وحظوظهم الدنيوية وعصبياتهم الجاهلية.

♦ وكذلك إستجابة الصحابة رضي الله عنهم لأمر الرسول ﷺ وخروجهم إلى حمراء الأسد الغد من يوم أُحُد على ما بهم من جراح وألم، فعن أبي السائب رضي الله عنه " أن رجلاً من بني عبد الأشهل، قال: شهدت أحداً أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله بالخروج في طلب العدو، قال لي أخي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله؟ ووالله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله ﷺ وكنت أيسر جرحاً منه، فكان إذا غلب حملته عقبة، ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون "

ولقد سجل الله هذا الموقف في كتابه الخالد، في قوله ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة آل عمران : ١٧٤ ]

♦ ويوم فتح خيبر والمسلمون قد بلغ بهم الفقر والجوع مبلغا حتى إن احدهم ليربط على بطنه من شدة الجوع، ولم يكن لهم طعام سوى الماء والتمر، فتح الله عليهم بعض الحصون فوجدوا حميراً، فاختاروا عشرين منها، ونحروها، وسلخوها، ووضعوها في القدور، وأوقدوا تحتها النار، وراحت القدور تغلي، وبطونهم تغلي معها من الجوع؛ وحين نضج اللحم وأصبح جاهزاً للأكل، فنادَى مُنادي رسول الله ﷺ ((ألا إن الله ورسوله يَنهيانِكم عنها؛ فإنها رجْس مِن عمل الشيطان))، فأُكفِئت القُدور بما فيها، وإنها لتَفور بما فيها" والقصة رواها الإمام أحمد والشيخان.

وانظروا : لم يأت الأمر بالتحريم قبل النحر أو قبل الذبح أو قبل السلخ أو قبل الطهي، إنما جاء الأمر الرباني بعد كل هذه الأمور في أعسر امتحان للنفس البشرية، والقدور تفور باللحم، ونفذوا الأمر بدون تردد، فكفئت القدور، ولم يتناول مسلم ولو نهشة واحدة، ولم تسجل مخالفة واحدة، إذ جاء التنفيذ كاملاً من الجميع؛ فكانت النتيجة أن فتح الله لهم الحصون، فغنموا طعاماً وشراباً وأموالاً كثيرة من الذهب والفضة وعتاداً وسلاحاً كثيراً.

♦ وإذا بك ترى أبا طلحة الأنصاري وهو يسمع قول الله ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [ سورة آل عمران : ٩٢ ] فيبادر فيجعل أفضل بساتينه في سبيل الله صدقة؛ يرجو برها وذخرها عند الله. ( صحيح البخاري ) ليس هذا فحسب، بل يفتح كتاب الله فيقرأ قول الله ( انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً ) [سورة التوبة : ٤١ ] فيقول لأبنائه : جهزوني جهزوني؛ شيخٌ كبير قارب على الثمانين لم يعذر نفسه، فيقول أبناؤه: رحمك الله، جاهدت مع رسول الله ﷺ ومع أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وصرت شيخاً كبيراً، فدعنا نغزو عنك، قال: والله! ما أرى هذه الآية إلا استنفرت الشيوخ، ثم أبى إلا الخروج لمواصلة الجهاد في سبيل الله، والضرب في فجاج الأرض؛ إعلاءً لكلمة الله، وإعزازاً لدين الله؛ فيشاء الله يوم علم صدقه أن يكون في الغزو في البحر لا في البر ليكون له الأجر مضاعفاً، وعلى ظهر السفينة في وسط أمواج البحار المتلاطمة يمرض مرضاً شديداً يفارق على إثره الحياة، فأين يدفن وهو في وسط البحر؟! 

ذهبوا ليبحثوا له عن جزيرة ليدفنوه فيها فلم يعثروا على جزيرة إلا بعد سبعة أيام من موته، وهو مسجىً بينهم، لم يتغير فيه شيء كالنائم تماماً. وفي وسط البحر بعيداً عن الأهل والوطن نائياً عن العشيرة والسكن.

♦ وهذا معقل بن يسار رضي الله عنه زوّج أخته لرجل، لكن هذا الرجل طلقها، ثم ندم وجاء يخطبها مرة أخرى، فقال معقل : زوجتك وأكرمتك ثم طلقت أختي، لا والله لا ترجع إليك أبداً، فأنزل الله ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة:232] فلما سمعها معقل قال: سمعاً لربي وطاعة، ثم دعاه فقال : أُزوجك وأُكرمك؛ فزوجها إياه. رواه البخاري.

ولك أن تتخيل صعوبة الموقف يطلق أخته وبدون سبب منها، وفي ذلك إهانة بالغة، ويعقد اليمين على عدم عودتها إليه ولو بذل ما بذل، ولكن لما نزل الوحي بخلاف ما أراد حاد عن قراره وتخلى عن عناده؛ عجباً والله! ما الذي حل غضب معقل، وما الذي أزال حنقه؟! إنه تعظيم أمر الله -تعالى- ورسوله ﷺ فماذا نقول اليوم وكثير من الناس تذكره بشرع الله وتدله على الحلال وتحذره من الحرام وهو لا يبالي؛ بل تأخذه العزة بالإثم والعياذ بالله!.

♦وأبو ذرٍّ رضي الله عنه يقول: كنتُ أمشي مع النبي ﷺ في حُرَّة المدينة عشاءً، استقبلنا أُحُدٌ، فقال لي النبي : مكانك لا تبرَح أبا ذرٍّ حتى أرجِع ، فانطلق حتى غاب عني، فسمِعتُ صوتاً، فخشيتُ أن يكون عُرِضَ لرسول الله ﷺ فأردتُ أن أذهبَ، ثم ذكرتُ قول رسول الله ﷺ (( لا تبرَحْ ))، فمكَثتُ... الحديث؛ [ متفقٌ عليه ].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث من الفوائد: أدب أبي ذرٍّ مع النبي ﷺ وفيه أن امتثال أمر الكبير والوقوف عنده، أَولى من ارتكاب ما يخالفه بالرأي، ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهُّمُ دفعِ مَفسدةٍ حتى يتحقَّق ذلك، فيكون دفعُ المفسدة أَولى.

وعن جابر قال: لما استوى رسول الله ﷺ يوم الجمعة قال "اجلسوا"، فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد! (أبو داود) أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

       الخطبة الثانية 

اسفل الصفحة على التعليقات...... 

بواسطة (3.7مليون نقاط)
الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفي وصلاة وسلاما علي عباده الذين اصطفى وبعد : فما زلنا مع أصحاب النبي والإستجابة؛ واسمعوا إلى هذا الموقف الذي يرويه الإمام مسلم رحمه الله

• فعن أبي مسعود البدري قال" كنتُ أَضرِب غلاماً لي بالسوط، فسمعتُ صوتاً مِن خلفي: إعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت مِن الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله ﷺ فإذا هو يقول : إعلم أبا مسعود، إعلم أبا مسعود، قال : فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: إعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام))، قال : فقلت : لا أَضرِب مملوكاً بعده أبداً )

• وعن أبي ثعلبة الخُشَني قال: كان الناس إذا نزَلوا مَنزلاً تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية، فقال رسول الله ﷺ ((إنَّ تَفرُّقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم مِن الشيطان))، فلم يَنزل بعد ذلك مَنزلاً إلا انضمَّ بعضهم إلى بعض، حتى يُقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمَّهم [ رواه أبو داود وقال الألباني إسناده جيد ].

• ويروي أبو سعيد الخدري فيقول: بينما رسول الله ﷺ يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟"، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله ﷺ "إن جبريل -صلى الله عليه وسلم- أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا" (أبو داود)، فكل ما دفعهم لخلع نعالهم: "رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا"

♦ أيها الكرماء الأجلاء : هذه بعض مواقف الاستجابة لله ورسوله وهي أكثر من أن تحصى؛ لعل فيها عظة وعبرة؛ وإني لأستحي والله أن أذكر حالنا مع الاستجابة بعد ذكر حال الصحابة، وإن حالنا مبكٍ للعيون ومقرح للأكباد، ولكن .. إلى الله نشكو حالنا؛ وإن كنت أعلم وتعلمون أن الخير لا زال موجوداً؛ فالأمة الإسلامية كالغيث لكنني مضطر لذكر حالنا اليوم حتى يتبين البون الشاسع بيننا وبين القوم؟

فإن استجابتنا استجابة كاملة غير منقوصة، لكنها وللأسف للدنيا، نعم للدنيا وبكل مرارة أقولها، سبحان ربي استجابة سريعة هائلة لإعلانات الدنيا ومساهمات الدنيا، أما الآخرة فكتاب الله يُتلى، والقرآن مليء بإعلانات ربانية تترا (سَابِقُوا) (وَسَارِعُواْ) (فَاسْتَبِقُوا) (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26]

لكن أين الاستجابة؛ وانظروا -رحمكم الله- إلى الخصومات بين الناس، وهو مثل بسيط؛ فما الذي يضبط العلاقات بين الناس؟ وما هو الشيء الذي يوجه سلوكهم ويتحكم في تصرفاتهم؟ هل هي أوامر الدين كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ أم أننا نحتكم إلى الهوى وحب الذات والرغبة في السيطرة؟ ولن يكون مؤمناً ذاك الذي يُعرض عن أوامر الدين وتوجيهاته، ولا يستجيب لها، فإن الاستجابة لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم- هي المحكُّ الحقيقي والمظهر العملي للإيمان: (إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) [آل عمران:169].

فماذا نقول اليوم وكثير من الناس تذكره بشرع الله وتدله على الحلال وتحذره من الحرام وهو لا يبالي؛ بل تأخذه العزة بالإثم والعياذ بالله!. تقول له : الربا حرام، يرد عليك: كل الناس يتعاملون به. الرشوة لا تجوز، يرد عليك: إذا لم آخذها أنا فسيأخذها غيري؛ تقول لأحدهم: الغيبة! النميمة! أعراض الناس! احفظوا ألسنتكم! لا تجوز هذه الأعمال! يرد عليك: قلوبنا صافية ونحن نمزح فقط؛ الله أكبر! تمزح في كبيرة من كبائر الذنوب؛ وهناك من تذكرة بحرمة الدماء والأعراض والأموال فيرد عليك: الحياة فرص! أو أنه يعمل ذلك من أجل فلان وعلان من الناس فلا يحتكم إلى دين أو شرع.

وتجد تلك المرأة التي تؤمر بالطهر والعفاف وبالحجاب، وأنه فريضةٌ من الله وفيه خير الدنيا وسعادة الآخرة، ترد عليك وأنت تسألها: لماذا لا تستجيبين لأمر الله؟ فإذا بها تحدثك عن التطور والحداثة ومسايرة العصر، وأن الإيمان في القلوب،

ونسوا أن تناسوا قول رسول الله ﷺ " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي"، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبي؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري.

إن من أعظم أسباب مشاكلنا ضعف الاستجابة لأمر الله ورسوله، وهو نفسه سبب ضعف هذه الأمة وتفرقها، فهناك من أبناء هذه الأمة مَن لا يقبلون من الدين إلا ما وافق هواهم، وسعت إليه نفوسهم، حقاً كان أو باطلاً؛ ولن يكون مؤمناً ذاك الذي يُعرض عن أوامر الدين وتوجيهاته، ولا يستجيب لها، فإن الاستجابة لله وللرسول ﷺ هي المحكُّ الحقيقي والمظهر العملي للإيمان: ( إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) [ آل عمران : 169 ]

إن الدليل على صدق إيمانك؛ وقوة يقينك؛ وشدة حبك لله ورسوله؛ هو سرعة استجابتك لأوامر الله ورسوله، فعندما تسمع آية فيها أمر الله سبحانه وتعالى، وعندما تسمع حديثاً فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل تتقبل ذلك مباشرة دون تلكؤ؟ ودون تباطؤ؟ ودون تململ؟ أم أنك تماطل، وتسوف، وتؤخر الاستجابة لله ورسوله، وعندما يبلغك حكم الله في مسألة ما من شئون حياتك، ويبلغك حكم رسول الله في قضية من قضايا معاشك، فكم يمضي عليك من الزمن لتمتثل حكم الله، وحكم رسول الله؟ قال تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] وقال الله تعالى { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 51، 52] أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ وأقم الصلاة.

 جمعها ورتبها

الشيخ / محمد عبد التواب سويدان

خطيب بوزارة الأوقاف المصرية
جزاه الله خير الجزاء.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (3.7مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
خطبة الجمعة القادمة بعنوان الصحابة والإستجابة، للشيخ محمد عبد التواب سويدان

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع مدينة العلم، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...