خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بعنوان مَكَانَةُ الْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَامِ
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بعنوان مَكَانَةُ الْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَامِ
بتاريخ 23 من ذي الحجة 1443هـ - الموافق 22 / 7 / 2022م
تكون الإجابة الصحيحة كالتالي /
مَكَانَةُ الْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَامِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَسَمَ الأَخْلَاقَ بَيْنَ عِبَادِهِ كَمَا قَسَمَ الأَرْزَاقَ بَيْنَهُمْ، وَكَفَى بِاللهِ هَادِيًا وَمُقْسِطًا وَنَصِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ دَاعِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، فَاقَ الْوَرَى خَلْقًا وخُلُقًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ- أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الحديد:28].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْأَخْلَاقَ هِيَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْكَرِيمَةِ، وَالْقِيَمُ النَّافِعَةُ وَالثَّمَرَةُ الْيَانِعَةُ لِلْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْعِبَادَةِ السَّلِيمَةِ، وَهِيَ غَايَةُ الْغَايَاتِ – بَعْدَ تَوْحِيدِ اللهِ – مِنَ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ الْعَظِيمَةِ، فَلَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهَا، وَلَا تُثْمِرُ الْعِبَادَةُ إِلَّا بِوُلُوجِ أَبْوَابِهَا، وَمَا أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا أَثْنَى عَلَيْهِ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ وَالْأَدَبِ الْكَرِيمِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ]وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ [القلم:4]. كَيْفَ لَا وَقَدْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ؟ وَمَنْ تَخَلَّقَ بِأَوَامِرِ الْقُرْآنِ وَنَوَاهِيهِ: كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا فِي كُلِّ جَوَانِبِهِ وَنَوَاحِيهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرِّسَالَةَ كُلَّهَا مِنْ أَجْلِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ فَهِيَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ صَحَّحَهَا وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْأَخْلَاقَ وَلِيدَةُ رَحِمِ الْإِسْلَامِ عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً، وَاتِّصَالَهَا بِهِ كَاتِّصَالِ الْفُرُوعِ بِالْجُذُورِ الضَّارِبَةِ الْمَنِيعَةِ؛ فَهِيَ ثَمَرَةُ الْعَقِيدَةِ الْقَوِيمَةِ وَالْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ؛ إِذْ تَتَوَلَّدُ قُوَّةُ الْخُلُقِ مِنْ قُوَّةِ إِيمَانِ الْإِنْسَانِ، كَمَا أَنَّ ضَعْفَ الْخُلُقِ مَرَدُّهُ إِلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ، يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ» [أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ]. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
وَكَثِيرًا مَا نَجِدُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَأَحَادِيثَ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ: تَقْرِنُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، وَتَرْبِطُ بَيْنَ انْعِدَامِ الْإِيمَانِ أَوْ ضَعْفِهِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ؛ فَتَعَلُّقُ الْأَخْلَاقِ بِالْعَقِيدَةِ تَعَلُّقٌ وَثِيقٌ، وَارْتِبَاطُهَا بِالْعِبَادَاتِ ارْتِبَاطٌ عَمِيقٌ، فَلَا إِيمَانَ كَامِلًا لِمَنْ لَيْسَ لَهُ أَمَانَةٌ، وَلَا دِينَ لِمَنْ دَأْبُهُ الْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَأَكَّدَ نَفْيَ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ عَمَّنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ شُرُورَهُ وَأَضْرَارَهُ؛ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
وَعُدَّ الْكَفُّ عَمَّا لَا يَعْنِي مِنْ نُطْقِ اللِّسَانِ، وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْإِيمَانِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ].
مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ:
وَمَا شُرِعَتِ الْعِبَادَاتُ- الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ- إِلَّا لِأَدَاءِ حَقِّ اللهِ فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَلِأَدَاءِ حَقِّ نَفْسِ الْإِنْسَانِ عَلَيْهِ، وَمُرَاعَاةِ حُقُوقِ الْبَرِيَّةِ؛ فَأُولَى الْحِكْمَةِ مِنْ تَشْرِيعِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ: التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ، وَالتَخَلِّي عَنِ الرَّذَائِلِ؛ ] وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ[ [العنكبوت:45]، وَفِي فَرْضِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ اسْتَثَارَةٌ لِعَوَاطِفِ الرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ نَحْوَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَتَزْكِيَةٌ- مِنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ- لِلنُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَتَطْهِيرٌ لَهَا مِنْ حُبِّ الْمَالِ وَالْأَثَرَةِ وَالْأَنَانِيَّةِ؛ ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[ [التوبة:103]، وَفِي تَشْرِيعِ الصِّيَامِ تَمْرِينُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَالثَّبَاتِ، وَسَبِيلٌ لِبُلُوغِ مَرْتَبَةِ التَّقْوَى بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَنْهِيَّاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ [البقرة:183]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَالْحَجُّ مَيْدَانٌ فَسِيحٌ لِلشَّعَائِرِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّفِيعَةِ، وَرِحْلَةٌ إِيمَانِيَّةٌ لِلتَّغَلُّبِ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْوَضِيعَةِ؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: ]الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ[ [البقرة:197].
أَجَلْ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا الْعِبَادَاتِ إِلَّا لِتُثْمِرَ عُبُودِيَّةً رَاسِخَةً، وَتَرْسُمَ مَنْهَجًا رَاقِيًا وَتُثْمِرَ أَخْلَاقًا شَامِخَةً؛ فَتَرْبِطَ الدِّينَ بِالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، وَتَلْتَقِيَ عِنْدَ الْغَايَةِ الَّتِي رَسَمَهَا نَبِيُّ الْمَكَارِمِ الْعَظِيمَةِ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ».
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ الْأَخْلَاقَ كُلٌّ لَا يَتَجَزَّأُ، وَأَصْدَقُ النَّاسِ فِيهَا مَنْ رَاعَى حُسْنَ التَّعَامُلِ مَعَ اللهِ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَحْسَنَ إِلَى نَفْسِهِ بِفِعْلِ الْمَلِيحِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ وَالنَّأْيِ بِهَا عَنْ مَوَاطِنِ الْإِفْلَاسِ وَمَوَارِدِ الْهَلَكَاتِ، وَعَامَلَ النَّاسَ بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَبَذْلِ النَّدَى وَكَفِّ الْأَذَى؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
أَقُولُ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْكَرِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
اسفل الصفحة الرئيسية....