خطبة الجمعة المذاعة والموزعة شرح حديث سبعة يظلهم الله في ضله بتاريخ 7 /1 /2022م
سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [الأحزاب 70 – 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
إِنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَوْمٌ رَهِيبٌ، وَمَوْقِفَهُ مَوْقِفٌ جِدُّ عَصِيبٍ، يَشِيبُ فِيهِ الْوِلْدَانُ، وَيَتَبَرَّأُ مِنَ الوَلِدِ الوَالِدَانِ، يَوْمٌ تَذْهَلُ فِيهِ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ مِنْ وَلِيدٍ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ؛ إِذْ تُدْنَى الشَّمْسُ مِنَ الخَلَائِقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيُصِيبُهُمْ فَزَعٌ عَظِيمٌ، وَيَحِيقُ بِهِمْ كَرْبٌ جَسِيمٌ، وَيَعْرَقُونَ حَتَّى يَغُوصَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا؛ رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:»تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ». قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ [أَيْ وَسَطِهِ]، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
فِي هَذِهِ الأَهْوَالِ العَظِيمَةِ وَالخُطُوبِ الجَسِيمَةِ، يَمُنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَصْنَافٍ مِنْ خَلْقِهِ فَيُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّهِ، يُؤْوِيهِمْ إِلَى أَقْوَى الأَرْكَانِ، وَيُسْبِغُ عَلَيْهِمْ سَوَابِغَ الرِّضَا وَالأَمَانِ، فَمَنْ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الكَرَامَةِ الإِلَهِيَّةِ، وَأَصْحَابُ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ؟ خَرَّجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ«.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ هَؤُلَاءِ الأَصْنَافُ السَّبْعَةُ أَنْ يُظِلَّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ؛ لِكَمَالِ صَبْرِهِمْ وَعِظَمِ مَشَقَّتِهِ، وَأَوُّلُهُمْ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَهُوَ الذَّي يَتَّبِـعُ أَمْرَ اللهِ وَيَحْكُمُ بِشَرْعِهِ، وَيَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ بِلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوِلَايَةُ العُظْمَى، وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ شَيْئًا فَعَدَلَ فِيهِ؛ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». وَقَدَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهِ؛ إِذْ بِصَلَاحِهِ يَنْصَلِحُ العِبَادُ، وَيَقُومُ أَمْرُ البِلَادِ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَبِفَسَادِهِ يَفْسُدُ النَّاسُ، وَيَضْطَرِبُ العَدْلُ، وَيَخْتَلُّ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَالثَّانِي مِنْ أَهْلِ الكَرَامَةِ الإِلَهِيَّةِ: شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، أَيْ تَرَعْرَعَ فِي طَاعَةِ اللهِ، مُقْدِمًا عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللهُ، وَمُؤْثِرًا رِضَا مَوْلَاهُ عَلَى مَا سِوَاهُ، مُعْرِضًا عَنِ الأَهْوَاءِ وَالْمُنْكَرَاتِ، مُحِبًّا لِلْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَحَكُّمِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ فِي سِنِّ الشَّبَابِ، فَلَمَّا وَاجَهَ أَمْوَاجَ الشَّهَوَاتِ، وَصَمَدَ أَمَامَ سَيْلِ الشُّبُهَاتِ، فَحَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَصَبَرَ عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؛ مُؤْثِرًا مَرْضَاةَ رَبِّهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ: جَزَاهُ اللهُ أَمَانًا يَوْمَ يَفْزَعُ النَّاسُ، وَظِلًّا ظَلِيلًا حِينَ النَّدَامَةِ وَالإِفْلَاسِ.
مَعْشَرَ أَهْلِ الإِيمَانِ:
وَمِنَ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِظِلَالِ العَرْشِ: حُبُّ المَسَاجِدِ وَالتَّعَلُّقُ بِهَا، وَالشَّغَفُ بِالصَّلَاةِ وَدَوَامُ انْتِظَارِهَا، يَشْتَاقُ إِلَى الصَّلَاةِ وَمَوَاضِعِهَا اشْتِيَاقَ الغَرِيبِ إِلَى أَهْلِهِ، وَالمُسَافِرِ إِلَى وَطَنِهِ، فَالمَسْجِدُ يَجِدُ فِيهِ أُنْسَهُ وَحَلَاوَتَهُ، وَيَرَى فِيهِ حَيَاتَهُ وَلَذَّتَهُ، فَهَذَا يَفْرَحُ اللهُ بِهِ وَيُقْبِلُ عَلَيْهِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ]، فَهُوَ مِنْ عُمَّارِ المَسَاجِدِ الَّذِينَ يَكُونُونَ بَيْنَ ذَاكِرٍ وَقَائِمٍ وَسَاجِدٍ: ]فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [ [النور: 36-37].
وَالحُبُّ فِي اللهِ مِنْ أَقْوَى الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِظِلِّ رَبِّ الأَرْبَابِ، فَهُوَ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ، وَدَلِيلُ الصِّدْقِ وَأَمَارَةُ الإِحْسَانِ، فَهَذَانِ رَجُلَانِ جَمَعَهُمَا الحُبُّ فِي ذَاتِ اللهِ، لَمْ تَجْمَعْهُمَا مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ شَخْصِيَّةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إِلَّا السَّفَرُ أَوِ المَوْتُ؛ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَهَذِهِ – وَاللهِ - هِيَ المَحَبَّةُ الدَّائِمَةُ الخَالِصَةُ لِلْمُتَحَابِّينَ، وَالْخُلَّةُ الصَّادِقَةُ الَّتِي تَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الدِّينِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية اسفل الصفحة الرئيسية ⬇️⬇️