خطبة جمعة مشكلة مكتوبة عن مشروع الحياة
خطبة جمعة مشكلة مكتوبة عن مشروع الحياة
خطبة عن مشروع الحياة
الحياه مواقف ومشروع الحياه
خطبة الجمعة مكتوبة بالتشكيل قابلة للنسخ
الخطبة الاولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِي وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾.
إخوتي في الله أحبائي ... لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ وَرَكَّبَ فِي صُدُورِهِمُ الْهِمَمَ وَجعلَ في نُفُوسِهِمْ حُبَّ الْغَايَاتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَلَتْ هِمَّتُهُ، وَسَمَتْ لِلسَّمَاءِ نَفْسُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هِمَّتَهُ فِي الطِّينِ وَالْحَضِيضِ؛ فَهُوَ يَعِيشُ بِلاَ غَايَةٍ وَيَحْيَا بَلَا هَدَفٍ، يَعِيشُ مُشَتَّتًا وَيشِيبُ مُحَطَّمًا إلاَّ مِنَ الْكَسَلِ وَالْفُتُورِ..
أَمَّا الأَوَّلُ فَنَفْسُهُ لَا تَتَحَمَّلُ هِمَّتَهُ، وَجَسَدُهُ يُجَاهِدُ لِتَحْقِيقِ غَايَاتِهِ.. هَدَفُهُ وَاضِحٌ، وَغَايَتُهُ بَيِّنَةٌ، تِلْكُمُ النُّفُوسُ لَا تَسْتَرِيحُ إلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا تَسْكُنُ إلَّا فِي الْجَنَّةِ.
وَلو تَسَاءَلْنَا أيُّها الإِخوةُ... إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَسْعَى عَامَّةُ النَّاسِ، وَفِيمَ يَنْشَغِلُونَ، وبِمَ يَفْرَحُونَ وَعلامَ يَحْزَنُونَ، وإلامَ يَنْصَرِفُونَ، وَمَا الَّذِي يَهُمُّهُمْ ويُطْرِبُهُمْ، وَمَا الَّذِي يُرْضِيهِمْ ويُغْضِبُهُمْ؟؟ لَنْ نَجِدَ سِوَى جَوَابٍ وَاحِدٍ، إِنَّهَا الدُّنْيا، أَكْبَرُ الْهَمِّ وَمَبْلَغُ الْعِلْمِ، وَمُنْتَهى الْقَصْدِ، وَمَعْقَدُ الآمَالِ.. فَهَذَا يَرَى سَعَادَتَهُ وَخَيْرَهُ فِي الْمَالِ؛ فَيَعْكِفُ عَلَى جَمْعِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينارِ، وَيُضَحِّي مِنْ أَجْلِهِ بِرَاحَتِهِ وَصِحَّتِهِ بَلْ وَبِدِينِهِ..
وَهَذَا يَرَى سَعَادَتَهُ وَرَاحَتَهُ فِي امْرَأَتِهِ وأَولادِهِ، فَيَسْعَى إِلَيهمْ وَيُضَحِّي مِنْ أَجْلِهمْ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ وَلَوْ مِنْ دِينِهِ وعُقوقِ وَالِدَيْهِ.. وَهَذَا يَسْعَى إِلَى مَرْكَزٍ مَرْمُوقٍ، ويَرَى فِيهِ قِمَّةَ الْمَجْدِ وَالسَّعَادَةِ فَيُضْحِي مِنْ أَجْلِهِ بِاسْتِقامَتِهِ وَقِيَمِهِ وَدِينِهِ.. وَبَعْدَ نِهَايَةِ الْمَطَافِ، يَتَيَقَّنُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَنَّ عِزَّ الطَّاعَةِ، وَمَجْدُ الاِسْتِقامَةِ هوَ كُلُّ شَيْءٍ، وَلَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ.
ولقَدْ حَذَّرَ اللهُ تعَالى مِنَ الرُّكُونِ إلى الْهِمَّةِ الدَّنِيَّةِ والأَهدَافِ الرَّدِيَّةِ فقالَ جلَّ شَأنُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38].
وقالَ تعَالى فِيمنْ رَضِيَ بالدُّنيَا غَايةً وهَدفًا، ورَكَنَ إلى نَعِيمِهَا مُطمَئِنًّا قالَ سُبحانَه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8]، ثُمَّ مَدَحَ اللهُ بَعدَهَا عِبادَهُ المؤمِنِينَ فقالَ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 9، 10].
عباد الله .. لَقَدْ عَاشَ الأنبِياءُ وَالرُّسُلُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- عَاشُوا حَيَاتَهُمْ وَكَرَّسُوهَا لِهَدَفٍ وَاحِدٍ، هُوَ أعْظَمُ الأَهْدَافِ وَأَشْرَفُ الْغَايَاتِ، وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَأَلاَّ يَعْبُدَ النَّاسُ رَبًّا سِوَاهُ. فَمِنْهُمْ مَنْ شُتِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضُرِبَ، وَمِنْهُمْ مِنْ أُخْرِجَ، حَتَّى وَصَلَ الْحالُ إِلَى أَنْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ، وَمَا صَدَّهُمْ ذَلِكَ وَلَا أَضْعَفَ مِنْ عَزِيمَتِهِمْ وَلَا فَلَّ مِنْ قُوَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهُم أَصْحَابُ رايَةٍ يُرِيدُونَ رَفْعَهَا، وَرِسَالَةٍ عَزَمُوا عَلَى تَوْصِيلِهَا -وَقَدْ فَعَلُوا-، فَمَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا جَاءَهَا نَذِيرٌ، وَمَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا اسْتَجَابَ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا..
وَهَذَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أَنْ نَزَلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ وَهِمَّتُهُ لَا تَعْرِفُ الكَلَّ وَلَا الْمَلَّ فِي سَبيلِ تَحْقِيقِ غَايَتِهِ، لَمْ تَنْجَحْ مَعَهُ الْمُسَاوَمَاتُ وَلَمْ تُغْرِهِ الدُّنْيا وَلَا الشَّهَوَاتُ، فَتَرَاهُ بِالنَّهَارِ قَائِدًا وَمُعَلِّمًا وَدَاعِيًا، وَبِالْلَّيْلِ قَائِمًا ومُنَاجِيًا وعَابِدًا.....
لَقَدْ بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ دَوْلَةً عَظِيمةً فِي فَتْرَةٍ وَجِيزةٍ؛ إِذْ لَمْ يَحْفَظِ التَّارِيخُ أَنَّ أحَدًا شَيَّدَ دَوْلَةً فِي بِضْعٍ وعِشْرِينَ سَنَةً بَلْ أَقَلَّ، فَعَلَيهِ صَلَّى اللهُ مَا قَلَمٌ جَرَى ... وجَلاَ الدَّيَاجِي نُورُهُ الْمُتَبَسِّمُ.
وَكَذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ -يا عِبَادَ اللَّهِ- إِلَى مَمَاتِهِمْ يَسْعَوْنَ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ إِعْلاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ وَنَشْرِ دِينِهِ، كَانُوا فِي عِلْمٍ وَدَعْوَةٍ وَجِهَادٍ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُضَيِّعُونَهُ في المنتَزهَاتِ والاستِرَاحَاتِ والمَلاهِي؛ إِذْ فِي تَضْيِيعِ الْوَقْتِ تَضْيِيعٌ لِغَايَتِهِمْ وَهَدَفِهِمْ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا يَجِدُ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ، وَلَا مِنَ الثِّيابِ مِا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا مُلُوكَ الدُّنْيا وعُمَّارَ الْجَنَّةِ.. فَتَحُوا الْأَمْصَارَ وَشَيَّدُوهَا، وَأَذَلُّوا دُوَلَ الْكُفْرِ وَأَرْكَعُوهَا، وَلَعَلَّ مَوَاقِفَ الصَّحَابَةِ الْكِرامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَعَ الْقَائِدِ (رُسْتُمَ) قَائِدِ جُيوشِ كِسْرَى يُلَخِّصُ لَنَا عُلُوَّ هِمَّتِهِمْ وَنُبْلَ غَايَتِهِمْ؛ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ -رحمهَ اللهُ- أَنَّه فِي مَعْرَكَةِ الْقادِسِيَّةِ بَعَثَ رُسْتُمُ إِلَى سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ يُكَلِّمُهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جَعَلَ رُسْتُمُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكُمْ جِيرَانُنَا وَكُنَّا نُحْسِنُ إِلَيْكُمْ وَنَكُفُّ الْأَذَى عَنْكُمْ، فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَلَا نَمْنَعُ تُجَّارَكُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى بِلَادِنَا. فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: إِنَّا لَيْسَ طَلَبُنَا الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هَمُّنَا وَطَلَبُنَا الْآخِرَةُ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا بِدِينٍ هوَ دِينُ الْحَقِّ لَا يَرْغَبُ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ، وَلَا يَعْتَصِمُ بِهِ إِلَّا عَزَّ.
ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ سَعْدٌ رَسُولًا آخَرَ بِطَلَبِهِ، وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رُسْتُمُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ رِبْعِيٌّ: اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ قَبِلْنَا مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ. قَالُوا: وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفَرُ لِمَنْ بَقِيَ.
وذَاكَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَابُّ الصَغِيرُ، لَكِنَّ هِمَّتَهُ هِمَّةُ الأُسُودِ وغَايَتَهُ غَايَةُ العُظَمَاءِ؛ يَقولُ رضي اللهُ عنه: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رواهُ مُسلِمٌ. لَمْ يَسأَلْهُ دُنيَا ولا زَوجَةً ولا مَتَاعًا ولا مالاً، وإنَّمَا عَلَتْ نَفسُهُ للجَنَّةِ وَحَسْبُ.
تِلكَ هِيَ -يَا عبادَ اللهِ- هِمَّتُهُمْ، وتِلكَ هِيَ غَايَتُهُمْ، ولِمِثْلِ هذَا فلْتَكُنِ الْحَيَاةُ، وعلَى مِثْلِ هذَا فلْتَكُنِ الْهِمَمُ والْغَايَاتُ.. نَسأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا هِمَّةً عَالِيَةً، وأنْ يُوَفِّقَنَا للْغَايَاتِ الشَّرِيفَةِ، إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ والقَادِرُ عَليهِ.. والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
الخطبة الثانية اسفل الصفحة الرئيسية...