خطبة جمعة مكتوبة بعنوان حق الجار وأهمية احترام الجار في الإسلام
خطبة الجمعة قابلة للنسخ بعنوان حق الجار
الخطبة الاولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
اما بعد: فان اصدق الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه واله وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
ثم اما بعد:
ايها المؤمنون اخرج الامام البخاري في الصحيح من حديث عبدالله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) واخرج الامام مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
عباد الله : التشريعات والوصايا في ديننا الحنيف تبدا بتحقيق التوحيد برب العالمين جل جلاله وحسن العبادة له ومتانة العلاقات وصفاء الصلات بين افراد المجتمع المسلم الموحد ولكم ان تتاملوا في قول الحق تبارك وتعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) فجمع الله جل وعز في هذه الاية بين حقه عز في علاه وحقوق عباده واصحاب هذه الحقوق انواع ودرجات، منهم ذو القرابات وخص بالذكر الوالدين لشدة قربهما وعظيم حقهما، ومنهم قريب مخالط وهو الجار ذو القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، ومنهم ضعيف محتاج الى الاحسان لضعف بدنه وهو اليتيم، ومنهم ضعيف محتاج الى الاحسان بقلة ماله وهو المسكين، قال الامام ابن القيم رحمه الله في احكام اهل الذمة (كل من ذكر في هذه الاية فحقه واجب وان كان كافرا) اهـ .
أيها المسلمون : ان من اعظم ما عني به الاسلام ان نظم حياة المجتمع المسلم في دوائر متكاملة تتسع شيئا فشيئا قليلا فقليلا حتى اتى على المجتمع كله بدءا من حقوق الوالدين ثم الاقارب ثم تتسع لتشمل الجيران والاصدقاء والمعارف ثم تمتد لتتصل بالغرباء بل وبغير المسلمين وها هنا ثم وقفة، وقفة جادة مع احدى تلك الحلقات انها دائرة وحلقة الجوار وحقوق الجار والجيران .
الجيران ايها المؤمنون يعرف بعضهم بعضا، يعرف بعضهم احوال بعض ويحيط بعضهم باسرار بعض يعرفون ما يدخل وما يخرج في حيهم ويشاهدون الغادي والرائح ويسمعون الاصوات ويشمون الروائح يبلغهم ما يجري من وفاق وخصام وخلاف ووئام لا تحجبهم عنهم ذخائر اليوم ولا تغيب عنهم خفايا الاسر في الغالب الاكثر فالجار سمي جارا لانه يجير صاحبه ويدفع عنه السوء والاذى ويجلب له الخير والنفع وقد خذل ابليس عليه لعنة الله اتباعه وزين لهم حين قال (واني جار لكم) لذا كانت العرب قديما تفتخر بحماية الجار وامنه لهم، فقد اخرج الازرقي في اخبار مكة ان قال "قد قال شاعر من العرب يذكر فخر قومه ويذكر امن جارهم فيهم ويمثل ذلك بحمام مكة في الامن فقال":
يرى الجار فيهم امنا من عدوه كما امنت عند الحطيم حمامها
ثم لتعلموا يا رعاكم الله ان الجيران ينقسمون من حيث الحقوق الواجبة تجاههم الى ثلاثة اقسام:
1- جار له حق واحد وهو المشرك وله حق الجوار .
2- وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الاسلام .
3- وجار له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم وله رحم فله حق الجوار وله حق الاسلام وله حق القرابة.
ايها المؤمنون: ان حقوق الجار كثيرة وعديدة وله منزلة عظيمة في الشرع المطهر اي الجار ولقد ربطه النبي صلى الله عليه وسلم اعني الاحسان الى الجار وحفظ حقه ربطه النبي عليه الصلاة والسلام بالايمان بالله واليوم الاخر فقال عليه الصلاة والسلاك كما في الصحيحين (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره) وفي رواية البخاري في الصحيح (فلا يؤذي جاره) واخرج مسلم في الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة من لا يامن جاره بوائقه) فحق الجار ايها المؤمنون عظيم والقيام به من الايمان لذا يمكن القول بان جملة حقوقه دائرة على ثلاثة حقوق كبرى هي:
1- اكرامهم والاحسان اليهم
2- وكف الاذى عنهم 3- واحتمال الاذى منهم .
فاما الحق الاول يا رعاكم الله فانه الاكرام والاحسان الى الجيران فقد امر الله جل جلاله بذلك فقال (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ) وحث عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليحسن الى جاره) .
ايها المؤمنون: ان اكرام الجار والاحسان اليه باب واسع يبداه بالسلام ويلين له في الكلام ويتلطف معه في الحديث ويرشده الى ما فيه صلاحه وصلاح اهله في دينه ودنياه ويحفظه في غيبته حريص في ذلك كله على الرفق واللطف وحين المعشر واسداء المعروف في اليسر والعسر والفرح والشدة والحزن والسرور مواسيا مؤنسا لطيفا ودودا ان من الاحسان ايها المؤمنون الى الجيران سلامة القلب عليهم وحب الخير لهم ففي الصحيحين من حديث انس رضي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه) وان من الاحسان الى الجار الحرص على بذل الخير له قليلا كان او كثيرا ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي عليه الصلاة والسلام قال (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) فرسن الشاة ايها المؤمنون هو حافرها قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (اي لا تحقرن ان تهدي الى جارتها شيئا ولو ان تهدي ما لا ينتفع به في الغالب) اهـ .
والمقصود ايها المؤمنون ان يتواصل الخير والود والبر بين الجيران ففي صحيح مسلم من حديث ابي ذر رضي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا ابا ذر اذا طبخت مرقة فاكثر ماءها وتعاهد جيرانك الا وان اولى الناس بالاحسان من الجيران اقربهم منك بابا) ففي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت (يا رسول الله ان لي جارين فالى ايهما اهدي ؟ قال عليه الصلاة والسلام الى اقربهما منك بابا) فكم هو جميل والله ان ينفع الجار جاره فيما وهبه الله من مواهب وهيا له من تخصصات فالغني يواسي والطبيب يعالج والمعلم يعلم يقال مثل هذا في المهندس والحداد والنجار وسائر ارباب الحرف والمهن والصنائع جيران متحابون يعين بعضهم بعضا وينفع بعضهم بعضا .
اما الحق الثاني والثالث وهو كف الاذى عنهم واحتمال الاذى منهم فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما اخرجه البخاري وغيره في الحديث الصحيح (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذي جاره) وقد استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من جار السوء في دار المقامة وامر امته بذلك فقد اخرج الائمة البخاري في الادب المفرد وابو يعلى في المسند وابن حبان في الصحيح والحاكم في المستدرك وصححه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال (كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام اللهم اني اعوذ بك من جار السوء في دار المقام فان جار الدنيا يتحول) واخرج الامام النسائي في السنن والبيهقي في الشعب بلفظ (تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام فان جار البادية يتحول عنه) حديث حسن صحيح .
ايها المؤمنون: انواع الاذى للجيران وصوره كثيرة لا تعد ولا تحصى فالمرء له فضل في ان يكف عن جاره الاذى وله فضل ان يذود عنه ويجيره عن ايدٍ والسنةٍ تمتد له بالسوء، وله فضل بان يواصله بالاحسان ما استطاع، وثمة فضل رابع يغفل عنه الكثير وهو ان يعفو عن هفواته ويتلقى بالصفح كثيرا من زلاته واساءاته لا سيما اساءة صدرت عن غير قصد او اساءة ندم عليها، وجاء اليك معتذرا منها فاحتمال اذى الجار وترك مقابلته بالمثل من ارفع الاخلاق واعلى الشيم ولقد فقه السلف هذا المعنى رضي الله عنهم وعملوا به قال الامام الحبر عامر الشعبي كما في تهذيب الكمال (ليس حسن الجوار ان تكف اذاك عن الجار ولكن حسن الجوار ان تصبر على اذى الجار) اهـ
تعوذوا يا رعاكم الله من جار السوء يسمع الخنى ويهدي بكل عنى والعياذ بالله، ثم الحذر الحذر ان يكون وفرة مالك او سعة جاهك سببا لاهانتك لجارك او التطاول عليه او الاستكبار عليه، علم اولادك من بنين وبنات ان يحفظوا حقوق الجيران حتى لا يتربى اهل الحي واولاده بنين وبنات على الحسد والنقمة والكراهية والحقد بعضهم على بعض .
وبعد عباد الله فبالقيام على حقوق الجيران تقوم الالفة وتحصل المودة فيعيش اهل الحي والمجتمع في امن وطمانينة باذن الله يتبادلون المنافع ويقضون الحاجات بعضهم فيما بين بعضهم بعضا يتعاونون على البر والتقوى ويدفعون الشرور والاذى والسواى عن اهليهم وبيوتاتهم في اخلاص وصدق في الظاهر والباطن يؤمنون بالله واليوم الاخر يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين .
بارك الله لي ولكم في القران والسنة ونفعني واياكم بما فيهما من الايات والحكمة اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
اسفل الصفحه على مربع الإجابه.