خطبة جمعة بعنوان رمضان على الأبواب تنظيم وقت الصوم وتلاوة القرآن وصوم الجوارح
خطبة جمعة بعنوان رمضان على الأبواب تنظيم وقت الصوم وتلاوة القرآن وصوم الجوارح
خطبة الجمعة مكتوبة بالتشكيل قابلة للنسخ.
خطبة جمعة مكتوبه مؤثرة ومعبرة
عناصر الخطبة
الخطبة الأولى
خلق الله الخلق لهدف وغاية
فضائل الصيام
من سنن الصيام تأخير السحور وتعجيل الفطور
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
أحكام مهمة في الصيام
مَن أكل أو شرب ناسياً
عناوين الخطبة الثانية
التنبه لكل ما يفسد الصوم
صلاة التراويح سنة في رمضان
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله الذي امتن على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتمحى السيئات، وترفع الدرجات، تتوجه فيها نفوس المؤمنين إلى مولاها، فقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها.
خلق الله الخلق لهدف وغاية
وإنما خلق الله الخلق لعبادته، فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ سورة الذاريات 56. ومن أعظم العبادات: الصيام الذي فرضه الله على العباد، فقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ سورة البقرة 183. ورغبهم فيه فقال: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سورة البقرة 184. وأرشدهم إلى شكره على فرضه، بقوله: وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ سورة البقرة 185. وحببه إليهم وخففه عليهم؛ لئلا تستثقل النفوس ترك العادات، وهجر المألوفات، فقال : أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ سورة البقرة 184. ورحمهم ونأى بهم عن الحرج والضرر، فقال سبحانه: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ سورة البقرة 184. فلا عجب أن تُقبل قلوب المؤمنين في هذا الشهر على ربهم الرحيم، يخافونه من فوقهم، ويرجون ثوابه، والفوز العظيم.
ولما كان قدر هذه العبادة عظيماً، كان لابد من تعلم الأحكام المتعلقة بشهر رمضان؛ ليعرف المسلم ما هو واجب فيفعله، وما هو حرام فيتجنبه، وما هو مباح فلا يضيق على نفسه بالامتناع عنه.
والصيام يا عباد الله هو: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنية، أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض، ومن أفطر منه شيئاً بغير عذر فقد أتى كبيرة عظيمة، قال النبي ﷺ في الرؤيا التي رآها: حتى إذا كنت في سواء الجبل -أي: في وسطه-إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: مَن هؤلاء؟ قال الذين يفطرون قبل تحلة صومهم أي: قبل وقت الإفطار
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان من غير عذر، أنه شر من الزاني، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "إذا أفطر في رمضان مستحلاً لذلك وهو عالم بتحريمه استحلالاً له وجب قتله وإن كان فاسقاً عوقب عن فطره في رمضان".
فضائل الصيام
وفضل الصيام عظيم، ومما ورد فيه: أن الصيام قد اختصه الله لنفسه، وأنه يجزي به فيضاعف أجر صاحبه بلا حساب، وأن الصوم لا عدل له، وأن دعوة الصائم لا ترد، وأن له فرحتان إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه، وأن الصيام يشفع للعبد يوم القيامة، يقول: أي رب! منعته الطعام والشراب والشهوات بالنهار فشفعني فيه، وأما خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأن من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً، وأن من صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، وأن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد.
وأما رمضان فهو ركن الإسلام، وقد أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فإذا دخل فتحت أبواب الجنة، وفتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين.
فهذا ربنا يندبنا إلى فعل الخيرات، وعمل الصالحات، والكف عن المحرمات، والإكثار من الدعوات، بإخبارنا أن أبواب السماء تفتح، وأن أبواب الجنة كذلك، وأن أبواب النار تغلق، فيقول افعلوا الطاعات فهذه أبوابي مفتوحة، واتركوا المحرمات فها قد أغلقت أبواب جهنم في شهركم، وسلسلت الشياطين من أجلكم، ومن صام رمضان إيماناً بفرضيته، واحتساباً لأجره، غفر له ما تقدم من ذنبه، ولله عند كل فطر عتقاء.
عباد الله: هذه مدرسة التقوى قد أقبلت لعلكم تتقون، والنفس إذا امتنعت عن الحلال طمعاً في مرضات الله، فأولى بها أن تنقاد للامتناع عن الحرام، والإنسان إذا جاع اندفع شر كثير من حواسه، وكذلك شعر بألم الفقراء فأحسن إليهم، وليس الخبر كالمعاينة، ولا يعلم الراكب مشقة الراجل إلا إذا ترجل ومشى، والصيام يربي الإرادة، واجتناب الهوى، والبعد عن المعاصي، وفيه قهر للطبع، وفطم للنفس عن مألوفاتها، واعتياد النظام والدقة.
وفي الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين، فتصوم الأمة وتفطر في شهر واحد، وفيه فرصة عظيمة للدعاة إلى الله ، فهذه أفئدة الناس تهوي إلى المساجد، ومنهم من يدخله لأول مرة، ومنهم من لم يدخله منذ زمن بعيد، وهذه رقة نادرة فلابد من انتهاز الفرص بالمواعظ المرققة، والدروس المناسبة، والكلمات النافعة، والنصيحة الصالحة، والتعاون على البر والتقوى.
من سنن الصيام تأخير السحور وتعجيل الفطور
عباد الله: إن للصيام آداباً، وله سنناً، فمن ذلك: الحرص على السحور وتأخيره؛ لقول النبي ﷺ: تسحروا فإن في السحور بركة فهو الغداء المبارك، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، و نعم سحور المؤمن التمر وتعجيله مخالف للسنة، وتأخيره إلى قرب الفجر يُمكّن من القيام للصلاة، وأما الفطر فالسنة فيه التعجيل لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطروهكذا نخالف أهل الكتاب، وكان النبي ﷺ يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسى حسوات من ماء، ويقول عند إفطاره ما جاء في الحديث الصحيح: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ثم يذهب لصلاة المغرب، ثم إن شاء تعشى بعدها، ولا يضيع الصلاة، ويبتعد الصائم عن الرفث وهو: الوقوع في المعاصي، فلا يرفث، وقال النبي ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش؟.
ومما أذهب الحسنات، وجلب السيئات: الانشغال بالفوازير، والمسلسلات، والأفلام، والمباريات، والجلسات الفارغات، والتسكع في الطرقات، مع الأشرار ومضيعي الأوقات، وكثرة اللهو بالسيارات، وازدحام الأرصفة والطرقات، حتى صار شهر التهجد والذكر والعبادة عند الكثيرين شهر نوم بالنهار؛ لئلا يحس بالجوع، فيضيع ما يضيع من وراء ذلك من الصلوات، ويفوت ما يفوت من الجماعات، ثم لهواً بالليل، وانغماس في الشهوات، وبعضهم يستقبل الشهر بالضجر؛ لما سيفوته من الملذات فيسافرون، وبعضهم إلى بلاد الكفار، والمساجد تأتي إليها بعض المتبرجات المتعطرات، وقَلّ من يسلم من هذه الآفات.
عباد الله: بعض الناس يجعلون الشهر موسماً للتسول وهو غير محتاج، وبعضهم يلهو فيه بما يضر من الألعاب، والمفرقعات، ومن الناس من ينشغل فيه بالصفق في الأسواق، والتطواف على المحلات.
عباد الله: إن هذا الشهر شهر عبادة، مَن استقبله بتوبة وحسن نية انتفع، ومَن استقبله بغير ذلك فليس له إلا ما نوى، لا يصخب الصائم فإن امرئ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائمإحداها تذكيراً لنفسه، والأخرى تذكيراً لغيره، فيجب ضبط النفس، واستعمال السكينة في كل شيء، حتى سياقة السيارات قرب أذان المغرب.
عدم الإكثار من الطعام ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن وقد انغمس الناس في صنع أنواع الطعام، وتفننوا في الأطباق حتى ذهب ذلك بوقت ربات البيوت والخادمات، وأشغلهن عن العبادة، وأنفقت الأموال الطائلة، يأكلون أكل المنهومين، ويشربون شرب الهيم، فإذا قاموا للتراويح قاموا كسالاً، وبعضهم لا يتحمل إلا ركعتين.
عباد الله: شهرنا قادم فجودوا بالمال والجاه والبدن والخلق، كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة
عباد الله: إن الجمع بين الصيام، وإطعام الطعام: من أسباب دخول الجنة، غرف يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام، وهذه ستنطبق في شهر رمضان من فطر صائماً كان له مثل أجرهوالمراد بتفطيره: أن يشبعه، وله أجر ولو فطره على شربة ماء، أو تمرة، ولكن كلما كان أكمل كان الأجر أكثر.
كان عدد من السلف يؤثرون الفقراء بطعام إفطارهم: منهم عبدالله بن عمر، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان عبدالله بن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.
عباد الله: ينبغي أن تُهيئ الأجواء والنفوس للعبادة، ويُسارع للتوبة والإنابة، ونفرح بدخول الشهر، ونحرص على اتقان الصيام، والخشوع في التراويح، وعدم الفتور لا في العشر الأواسط ولا في غيرها. عباد الله: أعدوا العدة لهذا الشهر: بتجهيز أنفسكم، وأهليكم، ومساجدكم؛ لأجل القيام بالعبادات، والتهنئة بدخوله لابأس به، والدعاء بالبركة فيه أيضاً.
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
ومن أحكامه: أن هذا الشهر الكريم يثبت برؤية هلاله، والعمل بالحسابات بدعة، وترك رؤية الهلال لأجل الحسابات ظلم وافتراء على الشريعة، ألم يقل الشارع: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؟ فما بال البعض يعلنون تحديده وتعيينه قبل أن يُرى هلاله! بحسابتهم وبدعهم وافترائهم على شريعة الله.
ولو قالوا لا يرى، واحتمال رؤيته ضعيفة، ورآه الثقات من المسلمين فنقدم أيّ شيء؟ ألسنا نقدم البينة الواضحة التي ترى بالعين؟ إن هذه الشريعة كاملة وصالحة لكل زمان ومكان، سواء كانت آلات الرصد متطورة، والحاسبون فيهم مهرة، أم لا، سواء كان التخلف في الحسابات حاصلاً أو متقدماً.
أيها الأخوة: هذه الشريعة لكل زمان ومكان، ولذلك جاءت بشيء يستطيعه الصغير والكبير، والعامي والمثقف، والمتعلم وغير المتعلم، والمتطور وغير المتطور - كما يقولون -.
بالرؤية إذاً يثبت هلال رمضان، إذا رآه الثقات، ولا بأس من الاستعانة بالآلات المقربة كالمناظير، مادامت المسألة لا تخرج عن الرؤية التي جاء النص عليها في الشرع صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فنعم للرؤية ولا للحسابات!.
أحكام مهمة في الصيام
بقية الخطبة اسفل الصفحة