شرح وتحليل حديث الصبر والوقار- معنى حديث من يستعفف يعفه الله
شرح وتحليل حديث الصبر والوقار- معنى حديث من يستعفف يعفه الله
إعراب المَرْءُ مع من أَحَب
فهذ الحديث أخرجه البخاري (1469)، ومسلم (1053) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ؛ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: (مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ، فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ. ورواه الإمام أحمد (11091) من طريق أخرى بلفظ: مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَا أَجِدُ لَكُمْ رِزْقًا أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ. وإسناده حسن.
وأما ما يتعلق بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله، فإن سياق الحديث جاء في بيان كراهة المسألة، وأن المراد بالصبر في هذا الحديث هو الصبر عن سؤال الناس، وانتظار رزق الله، وقد ترجم البخاري -رحمه الله- لهذا الحديث بقوله: باب الاستعفاف عن المسألة.
ولذلك فسر بعض أهل العلم الصبر بهذا المعنى الخاص، ومن ذلك قول الْقُرْطُبِيّ -كما في فتح الباري-: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ) أَيْ: يُعَالِج نَفْسه عَلَى تَرْك السُّؤَال، وَيَصْبِر إِلَى أَنْ يَحْصُل لَهُ الرِّزْق، (يُصَبِّرهُ اللَّه) أَيْ: فَإِنَّهُ يُقَوِّيه، وَيُمَكِّنهُ مِنْ نَفْسه؛ حَتَّى تَنْقَاد لَهُ، وَيُذْعِن لِتَحَمُّلِ الشِّدَّة؛ فَعِنْد ذَلِكَ يَكُون اللَّه مَعَهُ، فَيُظْفِرهُ بِمَطْلُوبِهِ.
وذهب بعض أهل العلم إلى ما هو أشمل من ذلك، فقد قال العيني -كما في عمدة القاري-: وفيه: الحث على الصبر على ضيق العيش، وغيره من مكاره الدنيا.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله عليه الصلاة والسلام: ومن يتصبر يصبره الله، عام يشمل جميع أنواع الصبر الثلاثة: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله الله- في (بهجة قلوب الأبرار): الثالثة قوله: "ومن يتصبر يصبره الله".
ثم ذكر في الجملة الرابعة: أن الصبر إذا أعطاه الله العبد، فهو أفضل العطاء، وأوسعه، وأعظمه، إعانة على الأمور، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة:45], أي: على أموركم كلها. والصبر كسائر الأخلاق، يحتاج إلى مجاهدة للنفس، وتمرينها؛ فلهذا قال: "ومن يتصبر" أي: يجاهد نفسه على الصبر، "يصبره الله"، ويعينه.
وإنما كان الصبر أعظم العطايا؛ لأنه يتعلق بجميع أمور العبد، وكمالاته، وكل حالة من أحواله، تحتاج إلى صبر:
فإنه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله؛ حتى يقوم بها، ويؤديها.