خطبة الجمعة بعنوان وصايا لقمان لابنه.
سلام الله عليكم بالخير والبركات أعزائي الزوار الباحثين عن خطب الجمعة، خطب أعياد المسلمين والمسلمات، خطب محطة التزود للتقرب والرجوع إلى الله. نرحب بكم من هنا من منبر موقع مدينة العلم www.madeilm.net يقدم لكم افضل الخطب المكتوبة الجاهزة للطباعة والقابلة للنسخ من هنا. وحيث نقدم لكم خطب الجمع المعاصرة, وكذلك خطب الجمعة في المناسبات الدينية والتواريخ الهجرية الجديدة، وكذلك نبث لكم الخطب المكتوبة والمشكلة والجاهزة التي تتحدث عن مايحدث في البلدان العربية. وإليكم نقدم لكم خطبة الجمعة بعنوان..خطبة الجمعة بعنوان وصايا لقمان لابنه...
خطبة الجمعة بعنوان وصايا لقمان لابنه
الخطبة الأولى: أما بعد عباد الله: سورة من سور القرآن الكريم يقال لها: سورة لقمان, في هذه السورة ذكر الله -جلّ وعلا- خبر عبد من عباده الصاحين، وولي من أولياءه المتقين، آتاه الله الحكمة، ومنّ عليه بالبصيرة، ووفقه لسديد القول ورشيد العمل: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). عباد الله: إنه رجل صالح، وولي من أولياء الله، وحكيم من الحكماء، وهبه الله -جلّ وعلا- الحكمة؛ لأنه كان صادقًا مع الله في أقواله وأعماله، جادًا في التقرب إلى الله -عز وجل- بزاكي الطاعات وجميل العبادات, كان قليل الكلام، كثير الفكرة والتدبر, منَّ الله عليه بالحكمة ووهبه إياها, وإن من عظيم مكانة هذا العبد ورفيع شأنه أن الله -عز وجل- ذكر لنا في القرآن خبره، وأنبأنا عن وصيته لابنه، وموعظته لولده وفلذة كبده, وهي -عباد الله- وصية نوّه الله -عز وجل- بها في القرآن الكريم، وذكر ألفاظ تلك الوصية عن لقمان الحكيم؛ لتكون للآباء والمعلمين والمربين نبراسًا وأنموذجًا يحتذون حذوه ويسيرون على نهجه, ولهذا -عباد الله- كان متأكدًا على كل أم وعلى كل أب وعلى كل معلم ومربٍّ أن يقف أمام هذه الوصية متأملاً ومتدبرًا؛ ليأخذ منها الوصايا النافعة، والأساليب الناجحة، والطرق المفيدة في تربية الأبناء وتعليم النشء؛ أليس الله -جلّ وعلا- ذكر لنا موعظة لقمان لابنه في كتابه العزيز؟! ذكرها لنا -جلّ وعلا- ليس فقط لتكون خبرًا نعلمه، أو معلومة نفيدها، وإنما ذكر الله -جلّ وعلا- ذلك ليكون منهجًا سديدًا، ومسلكًا رشيدًا يسلكه الآباء والمربون والمعلمون؛ إذ المسؤولية في التربية عظيمة، والواجب جد كبير، يتطلب نصحًا وعلمًا وفهمًا وبصيرة؛ ولهذا -عباد الله- كان من الجدير بكل أب وبكل أم وبكل معلم ومربٍّ أن يقف أمام هذه الوصية ينهل من معينها، ويتزود من حكمها ودلالتها؛ لتكون تربيته لأبنائه وللنشء عن بصيرة وحكمة، وعن دراية بدين الله -جلّ وعلا-. ولقد كانت وصية لقمان الحكيم لابنه موعظة رقيقة، وكلمات متدفقة، وألفاظًا عذبة، ووصايا سديدة، جاءت بأسلوب الواعظ الناصح، المشفق المربي؛ يقول الله -جلّ وعلا-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ). لوعظ -عباد الله- أمر بالخير أو نهي عن الشر مع ترغيب وترهيب, وهكذا جاءت وصية لقمان الحكيم موعظة لابنه، يناديه نداء الحنان والعطف والشفقة، بعيدًا عن الغلظة والشدة والعنف والقسوة، يكرر مع ابنه الخطاب بـ(يَا بُنَيَّ)، يرددها عليه مرات وكرات، يفتح بها قلبه، ويهيئه لحسن الاستفادة وكمال الانتفاع. (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). معاشر الآباء والأمهات والمعلمين والمربين- يجب أن ندرك من هذه الوصية العظيمة الرائعة أن أهم ما يربى عليه النشء وتربى عليه الأجيال: المحافظة على العقيدة، والمحافظة على التوحيد، والبعد عن الإشراك بالله -تبارك وتعالى-؛ فإن هذا أهم المهمات وأعظم المقاصد وأجل الغايات، وهو الأساس الذي يبنى عليه الدين، وتقام عليه الملة؛ ولهذا بدأ أول ما بدأ لقمان الحكيم في موعظته لابنه بنهيه عن الإشراك بالله -جلّ وعلا- قال: (لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ)، أي بكل صوره وجميع أنواعه، فلا تجعل مع الله شريكًا في الملك والخلق والرزق والإنعام، ولا تجعل مع الله شريكًا في أسماء الرب الحسنى وصفاته العظيمة، ولا تجعل مع الله شريكًا في العبادة التي خلقك الله لأجلها، وأوجدك لتحقيقها، وبين لقمان لابنه أن الشرك ظلم عظيم. ولما كان مقام الأبوين عظيمًا ومنزلتهما رفيعة، أوصى الله -جلّ وعلا- في أثناء ذكره لوصية لقمان بالأبوين برًا وإحسانًا، ورعاية وإكرامًا؛ فقال -جل من قائل-: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). وهي وصيةٌ جديرة بالعناية والانتباه والتحقيق والتطبيق, وصية الرب -جلّ وعلا- بالوالدين، وقرن حقهما بحقه -سبحانه-، وشكرهما بشكره، ما يدل على عظيم المكانة وكبير المسؤولية.
عباد الله: وتأملوا -على وجه الخصوص- حق الأم؛ لعظم تعبها، وكبر نصبها، وعظم جهودها في تربية أبنائها؛ ولهذا خصت بالذكر؛ قال -جلّ وعلا-: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ). اشت الأم في تربية الابن أتعابًا متواصلة، وأوجاعًا متلاحقة، وهمومًا متتابعة، وهن على وهن، وضعف على ضعف، وتعب على تعب, أمومة وحمل ورضاعة وملاحظة ورعاية، كل ذلك بذلته الأم نحو ابنها, ولهذا -عباد الله- إذا أراد الإنسان أن يكون بارًّا بأمه تمام البر، فعليه أن يتذكر جميلها السابق، وإحسانها المتلاحق، فكم قدمت الأم لابنها من بر وإحسان، ورعاية وإكرام، حمل ورضاعة، جد واجتهاد، سهر وتعب، حب ورعاية، كل ذلك بذلته الأم وهي محبة لوليدها مشفقة عليه تمام الشفقة, فإذا رعى الابن ذلك ولاحظه أعانه ذلك على برها، وأعانه على القيام بحقوقها، ولا سيما إذا تذكر مع ذلك أنه سيقف يومًا أمام الله، وأن الله -عز وحل- سيسأله عن قيامه بحقوق أبويه؛ ولهذا ختم الله -جلّ وعلا- هذه الآية بقوله: (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) . أي إلى الله -جلّ وعلا- المرجع والمآل، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وتأمل -أيها الابن- وصية الله هنا فيما لو كان الأبوان أو أحدهما مشركًا والعياذ بالله؛ يقول الله -جلّ وعلا-: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ). أي أبواك (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ). ومثل هذا مجاهدة الأبوين للابن على معصية الله والفسق والفجور: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا). ولم يقل -عز وجل-: فعقهما: (فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً). عباد الله: إذا كانت المصاحبة للأبوين بالمعروف مطالب بها في مثل هذه الحال، فكيف إذا كان الأبوان من أهل الصلاة والعبادة والإيمان والبر والإحسان؟! لا شك أن المقام والشأن أجل وأرفع... أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية: أما بعد عباد الله: ومن جميل وصية لقمان لابنه ووعظه لفلذة كبده: أن ربطه بالصلة بالله ومراقبته -جلّ وعلا- في السر والعلن، وأخبر ابنه أن الله -عز وجل- أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، وأن الخطيئة والمظلمة مهما اجتهد المخطئ الظالم في إخفائها فإن الله -عز وجل- يأتي بها، وتكون حاضرة يوم القيامة: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ). ومن وصايا لقمان التي ذكر الله -جلّ وعلا-: أمره لابنه بالصلاة، والمحافظة على أركانها وواجباتها، ودعوته لابنه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ رجاء أن يفيد الآخرين، وليكون له ذلك حصنًا حصينًا من دعاة الشر والرذيلة والباطل، وأوصاه مع هذا كله بالصبر، وملازمة الصبر على ما يناله من أذى، وأخبره أن ذلك من عزم الأمور: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ).
ثم ختم وصاياه النافعة، وتوجيهاته المباركة السديدة، بدعوة ابنه لرعاية مكارم الأخلاق وجميل الآداب، والبعد عن سفساف الأخلاق ورديئها؛ فقال في وصيته لابنه: (وَلا تُصَاعر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الارْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). ما أجملها -عباد الله- من وصية عظيمة، وما أروعها من موعظة بليغة، يجب علينا أن نقف عندها متأملين متدبرين، وأن نأخذ منها نهجًا سديدًا، ومسلكًا رشيدًا لتربية الأبناء والنشء.
هذا وصلوا وسلموا على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين