0 تصويتات
في تصنيف إسلامية بواسطة (3.4مليون نقاط)

فضل الأشهر الحرم ([1]خطبه الجمعه

خطبة جمعة بعنوان فضل الاشهر الحرم

خطبة جمعة بعنوان فضل الاشهر الحرم

إن الحمد لله نحمده...، أما بعد:

فإن من أعظم شواهد وحدانية الله تعالى، وكمال حكمته وعلمه وقدرته، وأنه الله الذي لا إله إلا هو؛ ما يَظهر للمتأمل في أحوالِ هذا الخلق، وقدرتِه سبحانه على الاختيارِ والتخصيص فيه، فلا شريك له يخلق كخلقه، ويختار كاختياره، ويدبّر كتدبيره، فهذا الاختيارُ والتدبيرُ والتخصيصُ المشهودُ أثرُه في هذا العالم: من أعظم آياتِ ربوبيته، وأكبرِ شواهد وحدانيته، وكمالِ صفاته، وصدقِ رسله

تأمل ـ أيها المسلم ـ في اختيار الله تعالى واصطفائه بعضَ الملائكة، وأَعْمِل نظرَك في اصطفائه خُلَّصَ البشر؛ ليكونوا رسلاً مبشّرين ومنذرين كما قال سبحانه: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير﴾[الحج: 75]، وتفكّر في تفضيله واختياره بعضَ الأماكن على بعض، وكيف اختارَ مكة من بين البقاع لتكون محلاً لبيته الحرام، وكذا الحال في مسجد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وكذا اختيارُه عز وجل بعضَ الأزمان وتفضيلها على غيرها من أيام الدهر!

وتأمّل في اختياره ما شاء من الأزمنة، فاختص رمضان، ثم اختص ليلةَ القدر من بين ليالي الشهر بتلك الفضائل الجليلة، وجعل أيامَ عشر ذي الحجة أفضلَ أيام الدنيا، وفضّلَ يوم الجمعة من بين سائر الأيام فجعله عيد الأسبوع!

إنه الله سبحانه وبحمده عَظُمتْ حكمتُه، وكمُلَ علمُه، إنه الله الذي يخلق ما يشاء ويختار.

أيها المسلمون: ومن جملة ما اختاره الله تعالى وفضّله، وعظّم أمرَه وفخّمه: الأشهر الحُرُم، التي تعيشون اليومَ أولَ جمعةٍ من جمعها، تلك الأشهر التي ذكرها اللهُ جلَّ جلاله في قوله: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ...﴾[التوبة: 36] أي: أن عدد الشهور عند الله في قضائه وقدَره الذي مضى في اللوح المحفوظ: اثنا عشر شهراً ـ وهي هذه الأشهر الهجرية المعروفة ـ منها أربعة حُرُم، وهي ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي أن تحريم هذه الأشهر الأربعة الحرُم هو الدين المستقيم: دينُ إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانت العربُ تُعظِّم هذه الأشهر حتى غيّر بعضُهم وبدّل بتأخيرها عن موعدها، فيؤخرون تحريمَ محرم إلى صفر، وهكذا...تحايلاً على حرمات الله جل وعي لا.

﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: لا تظلموها بالمعاصي ولا القتال، وذلك تعظيماً لأمرها، وتغليظاً للذنب فيها([2]).

وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النحر "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنةُ اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب ـ شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان"([3]).

عباد الله: إن هذه النصوص الكريمة لها دلالاتها وعِبَرها التي ينبغي أن نستفيد منها ونحن نعيش أوائل أيام هذه الأشهر الحرم، ومن هذه الدلالات:

1 ـ أن هذه الاصطفاء لهذه الأشهر أثرٌ من آثار كمال علم الله تعالى وتمام حكمته، وهذا مما يزيد المسلم عبوديةً وإيماناً بربه.

2 ـ ومن دلالة تعظيمها: تعظيمُ ما عظّمه الله تعالى، فإن هذه الأشهر عظيمةَ القدر والمكانة في شرع الله بلا شك، ومن تعظيم المؤمن لربه: أن يُعظِّم ما عظَّمه، بل ذلك من أمارات خيريَّة العبدِ وتقواه، كما قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾[الحج: 30]، ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب﴾[الحج: 32]، وإذا كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهر بالامتناع عن القتال فيها، حتى يمر الرجلُ بقاتل أبيه فلا يحرّك له ساكناً؛ فإن المؤمن الموحّد، المعظم لله ورسوله أولى بتعظيمها: لا تقليداً! بل تعبداً واتباعاً.

3 ـ ومن دلالات تحريم هذه الأشهر: ابتلاءُ العباد واختبارهم، هل يمتثلوا أمرَ الله أم لا؟!

4 ـ ومن أعظم دلالات تحريم هذه الأشهر عند المسلم، وهو من أعظم ما تعظّم به هذه الأشهر: الكف فيها عن المعاصي كلّها، فإن ارتكاب المعاصي والإصرار عليها لا ريب أنه ظلمٌ للنفس، وقد قال الله عن هذه الأشهر بخصوصها: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.

قال قتادة ـ رحمه الله ـ: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله تعالى يعظّم من أمره ما يَشاء، تعالى ربنا([4]).

5 ـ ومما تُعظّم به الأشهر الحرم: الازدياد من العمل الصالح فيها، فإن للزمان الفاضل ميزةً على غيره، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ: "وأفضل الصيام صيام شهر الله المحرّم"([5])، لذا كان جماعةٌ من السلف يحرصون على كثرةِ الصيام في الأشهر الحرم، كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله([6]).

فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنعظّم أمرَ ربّنا؛ بالكف عن ظلم أنفسنا بالمعاصي، ولنكثر ما استطعنا فيها من الطاعات، فإن أجرَ الطاعة في الزمان الفاضل أكثر وأكبر، ولنتذكر جيداً أن تعظيمَنا لهذه الحرمات - ومنها هذه الأشهر الحرم - خير لنا، وعلامةٌ على تقوى القلوب.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة خير أنبيائه، والحمد لله رب العالمين.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
خطبة جمعة بعنوان فضل الاشهر الحرم

إن الحمد لله نحمده...، أما بعد:

فإن من أعظم شواهد وحدانية الله تعالى، وكمال حكمته وعلمه وقدرته، وأنه الله الذي لا إله إلا هو؛ ما يَظهر للمتأمل في أحوالِ هذا الخلق، وقدرتِه سبحانه على الاختيارِ والتخصيص فيه، فلا شريك له يخلق كخلقه، ويختار كاختياره، ويدبّر كتدبيره، فهذا الاختيارُ والتدبيرُ والتخصيصُ المشهودُ أثرُه في هذا العالم: من أعظم آياتِ ربوبيته، وأكبرِ شواهد وحدانيته، وكمالِ صفاته، وصدقِ رسله

تأمل ـ أيها المسلم ـ في اختيار الله تعالى واصطفائه بعضَ الملائكة، وأَعْمِل نظرَك في اصطفائه خُلَّصَ البشر؛ ليكونوا رسلاً مبشّرين ومنذرين كما قال سبحانه: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير﴾[الحج: 75]، وتفكّر في تفضيله واختياره بعضَ الأماكن على بعض، وكيف اختارَ مكة من بين البقاع لتكون محلاً لبيته الحرام، وكذا الحال في مسجد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وكذا اختيارُه عز وجل بعضَ الأزمان وتفضيلها على غيرها من أيام الدهر!

وتأمّل في اختياره ما شاء من الأزمنة، فاختص رمضان، ثم اختص ليلةَ القدر من بين ليالي الشهر بتلك الفضائل الجليلة، وجعل أيامَ عشر ذي الحجة أفضلَ أيام الدنيا، وفضّلَ يوم الجمعة من بين سائر الأيام فجعله عيد الأسبوع!

إنه الله سبحانه وبحمده عَظُمتْ حكمتُه، وكمُلَ علمُه، إنه الله الذي يخلق ما يشاء ويختار.

أيها المسلمون: ومن جملة ما اختاره الله تعالى وفضّله، وعظّم أمرَه وفخّمه: الأشهر الحُرُم، التي تعيشون اليومَ أولَ جمعةٍ من جمعها، تلك الأشهر التي ذكرها اللهُ جلَّ جلاله في قوله: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ...﴾[التوبة: 36] أي: أن عدد الشهور عند الله في قضائه وقدَره الذي مضى في اللوح المحفوظ: اثنا عشر شهراً ـ وهي هذه الأشهر الهجرية المعروفة ـ منها أربعة حُرُم، وهي ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي أن تحريم هذه الأشهر الأربعة الحرُم هو الدين المستقيم: دينُ إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانت العربُ تُعظِّم هذه الأشهر حتى غيّر بعضُهم وبدّل بتأخيرها عن موعدها، فيؤخرون تحريمَ محرم إلى صفر، وهكذا...تحايلاً على حرمات الله جل وعي لا.

﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: لا تظلموها بالمعاصي ولا القتال، وذلك تعظيماً لأمرها، وتغليظاً للذنب فيها([2]).

وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النحر "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنةُ اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب ـ شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان"([3]).

عباد الله: إن هذه النصوص الكريمة لها دلالاتها وعِبَرها التي ينبغي أن نستفيد منها ونحن نعيش أوائل أيام هذه الأشهر الحرم، ومن هذه الدلالات:

1 ـ أن هذه الاصطفاء لهذه الأشهر أثرٌ من آثار كمال علم الله تعالى وتمام حكمته، وهذا مما يزيد المسلم عبوديةً وإيماناً بربه.

2 ـ ومن دلالة تعظيمها: تعظيمُ ما عظّمه الله تعالى، فإن هذه الأشهر عظيمةَ القدر والمكانة في شرع الله بلا شك، ومن تعظيم المؤمن لربه: أن يُعظِّم ما عظَّمه، بل ذلك من أمارات خيريَّة العبدِ وتقواه، كما قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾[الحج: 30]، ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب﴾[الحج: 32]، وإذا كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهر بالامتناع عن القتال فيها، حتى يمر الرجلُ بقاتل أبيه فلا يحرّك له ساكناً؛ فإن المؤمن الموحّد، المعظم لله ورسوله أولى بتعظيمها: لا تقليداً! بل تعبداً واتباعاً.

3 ـ ومن دلالات تحريم هذه الأشهر: ابتلاءُ العباد واختبارهم، هل يمتثلوا أمرَ الله أم لا؟!

4 ـ ومن أعظم دلالات تحريم هذه الأشهر عند المسلم، وهو من أعظم ما تعظّم به هذه الأشهر: الكف فيها عن المعاصي كلّها، فإن ارتكاب المعاصي والإصرار عليها لا ريب أنه ظلمٌ للنفس، وقد قال الله عن هذه الأشهر بخصوصها: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.

قال قتادة ـ رحمه الله ـ: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله تعالى يعظّم من أمره ما يَشاء، تعالى ربنا([4]).

5 ـ ومما تُعظّم به الأشهر الحرم: الازدياد من العمل الصالح فيها، فإن للزمان الفاضل ميزةً على غيره، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ: "وأفضل الصيام صيام شهر الله المحرّم"([5])، لذا كان جماعةٌ من السلف يحرصون على كثرةِ الصيام في الأشهر الحرم، كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله([6]).

فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنعظّم أمرَ ربّنا؛ بالكف عن ظلم أنفسنا بالمعاصي، ولنكثر ما استطعنا فيها من الطاعات، فإن أجرَ الطاعة في الزمان الفاضل أكثر وأكبر، ولنتذكر جيداً أن تعظيمَنا لهذه الحرمات - ومنها هذه الأشهر الحرم - خير لنا، وعلامةٌ على تقوى القلوب.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة خير أنبيائه، والحمد لله رب العالمين.
بواسطة
خطبة جمعة بعنوان فضل الاشهر الحرم

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع مدينة العلم، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...