خطبة جمعة بعنوان شهر رجب 2024، خطبة اول جمعة من رجب
خطبة جمعة بعنوان شهر رجب 2024، خطبة اول جمعة من رجب
الحمد لله الذي ظهر لأوليائه بنعوت جلاله وأنار قلوبهم بمشاهدة صفات كماله وتعرف إليهم بما أسداه إليهم من إنعامه وإفضاله فعلموا أنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله بل هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به أحد من خلقه في إكثاره وإقلاله لا يحصي أحد ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه على لسان من أكرمهم بإرساله الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والباطن الذي ليس دونه شيء، الحي القيوم الواحد الأحد الفرد الصمد المنفرد بالبقاء وكل مخلوق منتهى إلى زواله، السميع الذي يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات فلا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين في سؤاله، البصير الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء حيث كانت من سهله أو جباله ،وألطف من ذلك رؤيته لتقلب قلب عبده ومشاهدته لاختلاف أحواله فإن أقبل إليه تلقاه وإنما إقبال العبد عليه من إقباله وإن أعرض عنه لم يكله إلى عدوه ولم يدعه في إهماله بل يكون أرحم به من الوالدة بولدها الرفيقة به في حمله ورضاعه وفصاله ، ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت عليها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وهي أساس الفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه وخليله، أرسله الله بالإيمان مناديا، وفي مرضاته ساعيا، وللخلائق هاديا، وللمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ها نحن أيها الأحباب ندخل في شهر من شهور الله، لكنه شهر له مزية تميزه عن باقي الشهور، فهو احد الأشهر الحرم، الأشهر الحرم التي ذكرها الله في كتابه فقال﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾.
إننا نتكلم عن شهر رجب فهو أحد أشهر الحرم الأربعة، روى البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ)).
ولقد جاء في الحديث (ورجب مضر) وذلك لأن (مضر)كانت تعظم شهر رجب تعظيما شديدا.
وسُمِّيَ الأَصَمَّ لأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لا يُغِيرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِيهِ وَلا تَحْمِلُ فِيهِ السِّلاحَ، وَكَانُوا لا يَسْمَعُونَ قَعْقَعَةَ السِّلاحِ فَسُمِّيَ أَصَمَّ بِهِ.
ولشهر رجب أسماء منها: رجب من الترجيب، أي: التعظيم؛ لأنه كان يعظم.
ومن أسمائه أيضاً: رجم بالميم، يقولون: إنه كانت ترجم فيه الشياطين.
وسمي أيضاً: شهر رجب الأصم، لأنه لم تكن تسمع فيه قعقعة بسلاح.
وسمي شهر رجب الأصب، قالوا: لأن الرحمة تصب فيه صباً.
وسمي المعكعك، وسمي المعلى، وسمي المقيم؛ لأن حرمته ثابتة مقيمة.
وأما التسمية الشرعية فهي شهر رجب.
وقد عرف العرب في جاهليتهم فضل شهر رجب الحرام فعظموه ومنعوا فيه الحروب والخلافات العصبية والقبلية، وخلدوا فيه إلى السلم والسلام، ثم جاء الإسلام ليؤكد ويبين مكانة شهر رجب بين الأشهر الحرم؛ فنرى الحديث السابق يؤكد على عدد الأشهر الحرم ومكان شهر رجب وأنه بين جمادى وشعبان وذلك لإبطال ما كان يفعل من الجاهلية من تأخير للشهور على حسب أهوائهم ومقاصدهم.
وهناك أمور كان يفعلها الناس في الجاهلية وأشياء يفعلها بعض الناس وهي لا أصل لها.
من الأمور التي كان يفعلها أهل الجاهلية (العتيرة) وهي شاة تذبح لأصنامهم، ولما جاء رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – فأبطلها، روى البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ. قَالَ: وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ لَهُمْ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ: فِي رَجَب)) والحديث رواه مسلم وغيره.
(لَا فَرَعَ) أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ بِفَتْحَتَيْنِ، أَوَّلُ وَلَدٍ تُنْتِجُهُ النَّاقَةُ، قِيلَ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا تَمَّتْ إِبِلُهُ مِائَةً قَدَّمَ بَكْرَةً فَنَحَرَهَا وَهُوَ الْفَرَعُ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَهُ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ. أَيْ: لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ نُسِخَ وَنُهِيَ عَنْهُ أَيْ: لِلتَّشَبُّهِ. (وَلَا عَتِيرَةَ): وَهِيَ شَاةٌ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ، يَتَقَرَّبُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ.
كذلك ما يفعله بعض الناس من تخصيص أيام معينة بالصيام أو صلاة خاصة برجب فهذا لا أصل له، قال الإمام ابن القيم: (وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى).
وقد وضع الوضاعون حديثاً نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأساسه من علي بن جهضم الذي كان يضع الحديث، وفي هذا الحديث: (أن من صام أول خميس من رجب، وقام في ليلة الجمعة التي تسميها الملائكة الرغائب، وفيها يجتمع الملائكة من أقطار السماوات والأرض حول الكعبة ويسألون الله تبارك وتعالى أن يغفر لصوام رجب)، وقد روى في هذا الموضوع قولاً قال: (إن من صام هذه الليلة وقام ليلها ما بين المغرب والعشاء، كان له ثلاثة: أماناً من الفزع الأكبر، وأن يغفر الله ما تقدم من ذنبه، وأن يعصم في ما بقي).
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: والله! إني لأعجب، وإني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح من هذه الصلاة، ليس جحداً بهذه الصلاة، بل إن العوام يجتمعون على هذه الصلاة أكثر مما يجتمعون في شهر رمضان، وكثير من الوعاظ يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، وهذا الحديث فيه أبو بكر بن القاسم، وهو ضعيف لا يصح.
أما حديث صلاة الرغائب، فقد قال الإمام الحافظ عبد الوهاب شيخ الإمام ابن حجر العسقلاني: فتشت عن رجاله في جميع الكتب فلم أجدهم.
يعني: أن أسانيده أسانيد ملفقة، يضعها الوضاعون في فضل صلاة هذا الشهر، وصلاة الرغائب ضعفها شيخ الإسلام الإمام العربي الأنصاري، وضعفها ابن الصنعاني، وابن الزيدي، وابن رجب الحنبلي ولم يصححها إلا ابن الصلاح وهذه سقطة، وسقطات العلماء في بحر جودهم وفي بحر علمهم مغفورة.
يقول الحافظ ابن حجر: وأما ما يقوله القصاص والمفسرون من أن الإسراء والمعراج كان في رجب، فذلك كذب.
ضعفه ابن حجر العسقلاني، وكذلك الإمام الحافظ إبراهيم الحربي، وابن رجب الحنبلي، وقالوا: إن الإسناد إلى القاسم بن محمد لا يصح.
وهناك فريق من العلماء منهم الإمام النووي قالوا: إن الإسراء كان في شهر رجب، وهناك جمع من العلماء قالوا: إن الإسراء كان في شهر رمضان، ومنهم ابن سعد، وهناك جمع من العلماء قالوا: إن الإسراء كان في ربيع الآخر، ومنهم إبراهيم الحربي، فهذا قول العلماء أن الإسراء والمعراج لم يكن في رجب.
وعلى قول من قال: إن الإسراء كان في رجب، أما اختصاصه في السابع والعشرين من رجب فهذا ما قاله إلا العماد ونقل عنه العلامة ابن كثير.
وقد شرع الله في أول الإسلام تحريم القتال في الشهر الحرام قال تعالى: ﴿ لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2] وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217].
وقد اختلف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم هل تحريمه باق أو نسخ؟
اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الآْيَةِ الَّتِي أَثْبَتَتْ حُرْمَةَ الْقِتَال فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُل قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ هَل هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ ثَابِتُ الْحُكْمِ؟
قَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَابِتٌ، لاَ يَحِل الْقِتَال لأَِحَدٍ فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، لأَِنَّ اللَّهَ جَعَل الْقِتَال فِيهِ كَبِيرًا.
وَقَال بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ مَيْسَرَةَ.
قَال عَطَاءُ بْنُ مَيْسَرَةَ: أُحِل الْقِتَال فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فِي بَرَاءَةٌ قَوْله تَعَالَى: {فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}، يَقُول: فِيهِنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا يُحَرِّمُ الْقِتَال فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ثُمَّ أُحِل بَعْدُ.
قَال الطَّبَرِيُّ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَال عَطَاءُ بْنُ مَيْسَرَةَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قِتَال الْمُشْرِكِينَ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36].
فالجمهور: على أنه نسخ تحريمه.
واختلفوا لم سميت هذه الأشهر الأربعة حرما؟.
فقيل: لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم وجعل العمل الصالح والأجر أعظم، قال كعب: اختار الله الزمان فأحبه إلى الله الأشهر الحرم ،وقد قيل: في قوله تعالى: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] أن المراد في الأشهر الحرم وقيل: بل في جميع شهور السنة وقيل: إنما سميت حرما لتحريم القتال فيها وكان ذلك معروفا في الجاهلية.
ذكر ما وقع من حوادث تاريخية في رجب:
في هذا الشهر العظيم وقعت حادثتان عظيمتان: فتح بيت المقدس في رجب في السنة السادسة عشر للهجرة، وتحرير صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس في يوم الجمعة الموافق 27 رجب سنة 583 هجرية.
اختلاف العلماء في تحديد زمن الإسراء:
أولاً: تأريخ وتحقيق: لقد اعتاد المسلمون -إلا من رحم الله جل وعلا من المحققين- أن يحتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، احتفالاً باهتاً بارداً لا يليق بمقام المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لقد اعتقد الكثيرون أن الإسراء كان في ليلة السابع والعشرين، والتحقيق أن العلماء قد اختلفوا اختلافاً كبيراً في يوم الإسراء، بل في شهر الإسراء، بل في سنة الإسراء!! قال السدي: كان الإسراء في شهر ذي القعدة.