خطبتي الجمعة مكتوبة بالتشكيل بعنوان دعاؤك مستجاب
خطبتي الجمعة مكتوبة بالتشكيل بعنوان دعاؤك مستجاب
الخطبة الأولى :
خطبتي الجمعة مكتوبة بالتشكيل بعنوان دعاؤك مستجاب
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلاَ أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي». وروى الترمذي في سننه وصححه: (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرَ. قَالَ «اللَّهُ أَكْثَرُ»، وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ قَالَ «يَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي ».
إخوة الإسلام
إن الدُّعاء هو العِبادةُ، واللهُ سبحانه وتعالى يُحِبُّ أنْ يَدْعُوَه عِبادُه، ومَن وُفِّق إلى الدُّعاءِ فلا يَستعجِلِ الإجابةَ، بل عليه أن يَثِقَ باللهِ سبحانه، ويَعلَمَ أنَّ الله تعالى يُريدُ له الخيرَ، سواءٌ بتَعْجيلِ الإجابةِ، أو بتَأخيرِها. فالمسلم مأمور بأن يتعبد الله عز وجل بالدعاء، وهو موقن بالإجابة، مع إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، والأخذ بأسباب الإجابة ، ثم يتوكل عليه عز وجل، ويكل أمر جواب دعائه إلى رحمته ولطفه وحكمته، فهو جل وعلا أعلم بما يصلح العبد في الدنيا، وينجيه في الآخرة، فلا ييأس من استجابة الدعاء ولو طال الانتظار، وأن لا يعجل فيقول: دعوت الله فلم يُستجب لي، فالدعاء نفسه عبادة خاصة لله، مقصودة بالذات، وليست مقصودة للإجابة فحسب.
والمُؤمِنُ يَعلَمُ أنَّ دُّعاءَه لا يُرَدُّ، غَيرَ أنَّه قد يَكونُ الأوْلَى له تأخيرَ الإجابةِ، أو يُعَوَّضُ بما هو أوْلى له عاجِلًا، أو آجِلًا؛ فيَنبَغي لِلمُؤمِنِ ألَّا يَترُكَ الطَّلَبَ مِن رَبِّه؛ فإنَّه مُتَعَبِّدٌ بالدُّعاءِ، كما هو مُتَعَبِّدٌ بالتَّسليمِ والتَّفويضِ. والدعاء خير كله، وعبادة، وحسن عمل، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وقد روي عن أبي هريرة أنه كان يقول: (ما أخاف أن أحرم الإجابة، ولكني أخاف أن أحرم الدعاء). وليعلم المؤمن أن الله تعالى يفعل لعبده ما فيه الخير والمصلحة، ومن ثم فعلى العبد أن يجتهد في الدعاء، محسنا ظنه بربه، عالما أن الخير لا يأتي إلا من قبله تعالى، ثم يرضى بعد ذلك بما يقدره الله ويقضيه، ويعلم أن دعاءه مستجاب، إن استوفى الشروط، وانتفت عنه الموانع، ولكن قد يختلف نوع الإجابة، بحسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى وعلمه،
فالله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، فقد يؤجل الدعوة إلى أمد، ليجتهد العبد في الدعاء، ويلح في الطلب، ويستقيم على الحق، ويحاسب نفسه، ويجاهدها لله، فتكون هذه الحاجة من أسباب صلاحه، ومن أسباب توفيق الله له، فينبغي له أن يلح في الدعاء، ويجتهد، ويحاسب نفسه، وقد تكون الدعوة أجلت لأنه مقيم على معصية، أو أجلت لمصلحة له في الدنيا، أو لمصلحة له في الآخرة، فربك أعلم وأحكم، وهو سبحانه يفعل ما يشاء ويختار، فلا تيأس أيها الداعي ولا تقنط، ولا تمل من الدعاء، بل اجتهد في الدعاء، وانتظر الإجابة، واعلم أن ربك قد يؤجل الاجابة لحكمة بالغة، فهو أعلم بمصالحك وما يصلحك، وأعلم بأسباب هدايتك، وأعلم بما ينفعك وينفع غيرك، فلا تسء الظن بربك، ولكن أسء الظن بنفسك، وحاسبها وجاهدها، فالمجاهد من جاهد نفسه، وظن بربك الخير، وظن بنفسك الشر، ثم استقم على جهادها حتى تنجح، وحتى تربح، وحتى تجاب دعوتك، يقول سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: ” الإلحاح، وحسن الظن بالله، وعدم اليأس، من أعظم أسباب الإجابة. فعلى المرء أن يلح في الدعاء، ويحسن الظن بالله عز وجل، ويعلم أنه حكيم عليم، قد يعجل الإجابة لحكمة، وقد يؤخرها لحكمة، وقد يعطي السائل خيرا مما سأل”. ويقول الشيخ البراك حفظه الله: ” إجابة الدعاء أعم من قضاء الحاجة، فلا يلزم من عدم حصول المطلوب أن الله لم يجب دعاءك، فتقول: إن الله لم يستجب لي! وما يدريك ؟ لعل الله أعطاك إحدى هذه الثلاث، ومن أجل ذلك قلتُ: إن قوله: (ويقضي الحاجات) أخصُ من قوله: ( والله تعالى يجيب الدعوات) “، وقال ابن حجر أيضا رحمه الله: فِي شَرْحِ حَدِيثِ: ” يَنْزِل رَبُّنَا”: ” لاَ يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ بَعْضِ الدَّاعِينَ؛ لأِنَّ سَبَبَ التَّخَلُّفِ وُقُوعُ الْخَلَل فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَالاِحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ أَوْ لاِسْتِعْجَال الدَّاعِي أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ تَحْصُل الإْجَابَةُ بِهِ. وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ أَوْ لأِمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى “،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ورد في كتاب تحفة الأحوذي بيان معنى ادخار الدعاء أن الْإِجَابَة عَلَى أَنْوَاعٍ: مِنْهَا: (تَحْصِيلُ عَيْنِ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ. وَمِنْهَا: وُجُودُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ. وَمِنْهَا: دَفْعُ شَرٍّ بَدَلَهُ، أَوْ إِعْطَاءُ خَيْرٍ آخَرَ خَيْرٍ مِنْ مَطْلُوبِهِ. وَمِنْهَا: ادِّخَارُهُ لِيَوْمٍ يَكُونُ أَحْوَجَ إِلَى ثَوَابِهِ. وَمِنْهَا: تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِقَدْرِ مَا دَعَا). وقال المناوي في فيض القدي: فكل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه بحسب ما تقتضيه مصلحته وحاله، فأشار به إلى أن من رحمة الله بعبده أن يدعو بأمر دنيوي فلا يستجاب له، بل يعوضه خيرا منه من صرف سوء عنه، أو ادخار ذلك له في الآخرة، أو مغفرة ذنبه.
وعلى هذا، فإن المسلم دائما يكثر من دعاء الله تعالى ويرجو الإجابة، وإذا كان دعاؤك بحصول أمر دنيوي، ولم تر الإجابة، فاعلم أن دعاءك لن يضيع، بل ستحصل على إحدى الخصال الثلاث المتقدمة، واحرص على توفر شروط إجابة الدعاء، وانتفاء موانع الإجابة. فادع الله تعالى أيها المؤمن وأنت موقن بالإجابة، سواء شهدتها في دنياك، أو تأخرت عنك في أخراك، فكرم الله عز وجل متحقق لكل من حقق أسباب الإجابة.
الدعاء