نبذة تعريفية عن حياة موسى بن نصير وعلاقة موسى بن نصير باأمير المؤمنين سليمان بن عبد العزيز
نبذة تعريفية عن حياة موسى بن نصير وعلاقة موسى بن نصير باأمير المؤمنين سليمان بن عبد العزيز
أولاً / اسمه ونسبه :
هو موسى بن نصير بن عبد الرحمن ابن زيد اللخمى بالولاء، أبو عبد الرحمن: ولد في خلافة (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- سنة 19 هـ /640 م. أصله من وادى القرى (بالحجاز) كان أبوه نُصير على حرس معاوية. ونشأ موسى في دمشق(1) .
تعلم موسى بن نصير الكتابة، وحفظ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، ونظم الشعر منذ الصغر مدينة الـعـلـم .
ولما افتتح خالد بن الوليد عين التمر(2) كان فيها جموع من العرب والعجم، فهزمهم وقتل وأسر، ووجد في بيعتهم بالحصن أربعين غلاما يتعلمون الانجيل فأخذهم فقسمهم في أهل البلاد، فكان منهم (سيرين) أبومحمد،و(نصير) أبو موسى(3).وقد أخذوا جميعاً أسرى . وقد أسلم نصير بعد الأسر ثم انتقل الى الحجاز ،ودخل قبيلة لخم اليمنية ،وقد تزوج نصير منهم . لذا فان نسبه الى لخم كان بسبب اتصاله بهم عن طريق الزواج .
وكان موسى بن نصير من التابعين، رضي الله عنهم، وروى عن تميم الداري، رضي الله عنه(4) . وعنه روى يزيد بن مسروق اليحصبي وولده عبدالعزيز بن موسى .
وكان مـن رجـال العلم حـزماً ورأياً وهمّة ونبلاً وشجاعة وإقداماً(5) .
وكان والده نصير على حرس معاوية بن أبي سفيان، وله عندهُ منزلة . ولما خرج معاوية لقتال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لم يخرج معه، فقال له معاوية: ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني عليها فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفر من هو أولى بشكري، فقال: ومن هو قال: الله عزوجل، فقال: وكيف لا أم لك قال: وكيف لا أعلمك هذا، فأعض وأمص ، قال: فأطرق معاوية ملياً، ثم قال:أستغفر الله، ورضي عنه(6).
ويعتبر موسى بن نصير أول من غزا بالبحر من المسلمين من الموالي(7).
وقد بايع موسى بن نصير عبدالله بن الزبير وحضر يوم المرج مع الضحاك فلما انهزم أهل المرج وقتل الضحاك لحق موسى بن نصير بفلسطين فكان مع ناتل بن قيس يدعو إلى ابن الزبير فأهدر مروان دمه فاستجار موسى بعبد العزيز بن مروان فوهبه له مروان وخرج به معه وهو سائر إلى مصر وهم في طاعة ابن الزبير وعليهم ابن جحدم الفهري فلما بلغ أهل مصر مسير مروان خندقوا على الفسطاط خندقا واستعدوا لحربه ووجهوا مراكب مصر إلى سواحل الشام ليخالف إلى ذراريهم وعيالهم وكان على تلك المراكب الأكدر بن حمام اللخمي فلما بلغ مروان العريش بلغه أن مراكب أهل مصر قد سارت إلى عيالات أهل الشام فراعه ذلك فاستشار موسى بن نصير فقال له موسى إن كانوا قد خرجوا في هذه الأيام فقد كفيتهم فقال له مروان أزبيرية هذه يا موسى قال ستعلم يا أمير المؤمنين أزبيرية هي أم مروانية إني عالم بهذا البحر فعقد له مروان على خيله ووجهه فسار موسى فيمن معه حتى إذا كان ببعض الشام رأى تكدرا من النجوم ليلة من ذلك فقال لا يبقى الليلة في البحر مركب إلا تكسر وذهب فأجاز إلى عكا ويافا فألقى مراكب أهل مصر قد ألقاها الريح تلك الليلة فتكسرت فأخذهم موسى أسرى وهي ستمائة رجل كلهم من لخم وجعل مروان يتلبث في مسيره ذلك انتظارا لما يأتيه من قبل موسى فلما ظفر موسى بالقوم أقبل بهم وأعد السير حتى أدرك مروان بخربة القتيل فيما بين الفرما والجفار فدخل على مروان فأخبره الخبر وأتاه بالأسارى فأجازه مروان بألف دينار (8).
وسار مروان حتى إذا كان بجرجير انتهى إليه ما استعد به أهل مصر فبعث إلى وجوه من معه من أهل الشام وأهل بيته فقال أشيروا علي في هؤلاء الأسرى فقال كل امرئ منهم برأيه وموسى ساكت فالتفت إليهم مروان فقال:
ما لك يا ابن نصير لا تتكلم .
قال يا أمير المؤمنين أخاف من الكلمة التي كانت بالأمس
قال تكلم فلست عندنا ظنينا اليوم
قال أرى يا أمير المؤمنين أن تفك عانيهم وأن تحسن صفادهم(عطاياهم ) وأن تبلغهم مأمنهم وأن تعف عنهم فيأتي الرجل منهم غدا قومه فيقول فيها لا يستطيعون رده من الثناء عليك (9) .
فقبل مروان مشورة موسى وفك عنهم فقال رجل من أهل مصر من مراد:
جزاك الله يا ابن نصير خيرا = فقد أنجيت من قتل وأسر
عشـية قال مروان أشيروا = علي برأيكم في أهل مصر
فقلت بما تراه الحظ نصحا = ولم تك مثل نعمان وعمرو(11)
حياته قبل توليه المغرب
شب موسى وهو يشاهد جيوش المسلمين تجاهد في سبيل الله، لنشر الدين الإسلامي في ربوع الأرض، ورأى والده وهو يستعد لإحدى الحروب، وقد لبس خوذته، وتقلد سيفه، فنظر إليه وأطال النظر، وتمنى أن يكون مثل أبيه يجاهد في سبيل الله ويرفع راية الإسلام .
لقد نشأ موسى بن نصير في دمشق وولي غزو البحر لمعاوية بن أبي سفيان،وقاد حملة عسكرية بحرية نحو جزيرة قبرص(11) ، وبنى بها حصونًا، وخدم بني مروان ونبه شأنه، وولى لهم الأعمال، فكان على خراج البصرة في عهد الحجاج .
وقد وصف الامام الذهبي موسى بن نصر بقوله:
الأمير الكبير، أبو عبد الرحمن اللخمي، متولي إقليم المغرب، وفاتح الأندلس . قيل: كان مولى امرأة من لخم، وقيل: ولاؤه لبني أمية. وكان أعرج مهيباً ذا رأي وحزم(12)، وكان من اصحاب الهمم الكبيرة فقد قال مرّة: والله لو انقاد الناس لي، لقدتهم حتى أُوقعهم على رُومية ثم ليفتحنها الله على يدي(13) .
وكان موسى بن نصير بوسعه أن يستقل على الخلافة ويقيم ملكاً له ولأولاده في المغرب والأندلس، ولكن إيمانه العميق بتعاليم الإسلام وتمسكه والتزامه بها جعله لا يفكر بذلك حتى إن يزيد بن المهلب ابن أبي صفرة سأله عن ذلك فقال موسى: والله لو أردت ذلك ما نالوا من أطرافي طرفاً، ولكني آثرت الله ورسوله، ولم نر الخروج عن الطاعة والجماعة(14).
وقد توفي موسى بن نصير رحمه الله تعالى وهو متجه للحج برفقة الخليفة سليمان بن عبد الملك(15) في المدينة المنورة ـ على سكانها أفضل الصلاة والسلام ـ في وادي القرى ، في منطقة (مر الظهران )(16) في سنة 98هـ /716 م وعمره ثمان وسبعون سنة(17).
وقيل : توفي بالمدينة متوجهاً إلى الحج وكان قد سأل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة أو يموت بالمدينة فأجاب الله دعاءه، وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك(18) .
ولايته على المغرب العربي :
في عام 86 هـ /705 م وفي زمن الوليد بن عبد الملك الأموي تولى موسى بن نصير المغرب العربي ، فأخضع البربر ، ونشر الأمن في هذه الربوع(19).
لقد دخل الإسلام إلى الشمال الإفريقي من سنة 23 هـ لكن كانت دائمة الإرتداد عن دين الله سبحانه وتعالى.
وكان يسكن هذه المناطق قبائل ضخمة جداً هي قبائل البربر. وقبائل البربر كلما أسلمت ارتدت، حتى استقر الإسلام في النهاية في سنة 86 هـ على يد موسى بن نصير .
تولى موسى بن نصير إفريقية والمغرب سنة ست وثمانون(20) ، فلما قدمها ومعه جماعة من الجند، بلغه أن بأطراف البلاد جماعة خارجين عن الطاعة، فوجه ولده عبد الله، فأتاه بمائة ألف رأس من السبايا، ثم وجه ولده مروان إلى جهة أخرى فأتاه بمائة ألف رأس(21). ولم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير(22).
ووجد أكثر مدن إفريقية خالية لاختلاف أيدي البربر عليها، وكانت البلاد في قحط شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء، ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والصراخ والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلى وخطب بالناس، ولم يذكر الوليد بن عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين فقال: هذا مقام لا يدعى فيه لغيرالله (23) .
ولقد وجد موسى بن نصير أن هناك سببين في ارتداد البربر عن الإسلام وأدى الى اغتيال عقبة بن نافع :
أولا : أن عقبة بن نافع ومن معه كانوا يفتحون البلاد فتحا سريعا جدا لا يستطيعوا فيه أن يحموا ظهورهم مما يؤدي إلى انقلاب الناس عليهم بعد ذلك فبدأ يفتح البلاد بتأني شديد وخطوة خطوة كما كان يفعل خالد بن الوليد رضي الله عنه فأتم فتح البلاد في سبع أو ست سنين .
ثانيا: وجد موسى بن نصير أن هناك تعليما ضعيفا للدين الإسلامي بين تلك البلاد فهم لم يعرفوا الإسلام حق المعرفة فأخذ يأتي بالتابعين من الحجاز والشام ليعلموا الناس الإسلام فأحب الناس الإسـلام وأقبلوا عليه بل وانضموا لجيش موسى بن نصير.
وعندما توافدت الجيوش عليه ، قام موسى بن نصير خطيباً، فكان مما قاله:
وإنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة، فليحمد الله، وليحض على مثلها، ومن رأى مني سيئة، فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون، وقد أمر الأمير أكرمه الله لكم بعطاياكم وتضعيفها ثلاثاً، فخذوها هنيئاً مريئاً، من كانت له حاجة فليرفعها إلينا، وله عندنا قضاؤها على ماعز وهان مع المواساة إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهكذا أنجز موسى قبل أن يدخل إفريقية حشد جيشه وأكمل استحضاراته الإدارية وساوى نفسه برجاله، وسار موسى متوجهاً إلى الغرب وكان الأمن غير مستتب، فلما وصل إفريقية برز موسى بن نصير قائداً منتصراً في فتح المغرب ويرجع ذلك إلى السياسة التي اتبعها مع الأهالي وهي سياسة التعاون والاندماج الكلي مع البربر، فحين كان يقدم على موسى وفود القبائل ليعلنوا ولاءهم كان يولي عليهم رجلاً منهم ويأخذ رهائن من خيارهم لضمان هذا الولاء، كما فعل مع وفد كتامة ومع وفد مصمودة وغيرهم، ولكن ما أن يعتنق البربر الإسلام، كان موسى يقر زعمائهم في الرئاسة مقابل مساهمة كل قبيلة بعدد كان من المقاتلين للانضمام للمقاتلة العرب. وأعطت سياسة التفاهم هذه ثمارها، فقد استطاع موسى أن يجند أعداداً كبيرة من قبائل البربر مثل كتامة وهوارة وزناتة ومصمودة ، وألحق موسى بن نصير هؤلاء المقاتلة من البربر مع جراوة الذين كانوا قد جندوا في عهد حسان، ووضعهم جميعاً في حامية طنجة تحت قيادة طارق بن زياد(24) الذي وليها سنة 90 هـ من قبل موسى بن نصير.