0 تصويتات
في تصنيف إسلامية بواسطة (3.7مليون نقاط)

خطبة الجمعة مشكوزله

خطبة الجمعة مشكولة، بعنوان دروس من الاسراء والمعراج، مع الدعاء آخر الخطبة 

خطبة الجمعة مشكولة، بعنوان دروس من الاسراء والمعراج، مع الدعاء آخر الخطبة 

خطبة الجمعة مشكولة، بعنوان دروس من الاسراء والمعراج

سلام الله عليكم بالخير والبركات أعزائي الزوار الباحثين عن خطب الجمعة، خطب أعياد المسلمين والمسلمات، خطب محطة التزود للتقرب والرجوع إلى الله. نرحب بكم من هنا من منبر موقع مدينة العلم www.madeilm.net يقدم لكم افضل الخطب المكتوبة الجاهزة للطباعة والقابلة للنسخ من هنا. وحيث نقدم لكم خطب الجمع المعاصرة, وكذلك خطب الجمعة في المناسبات الدينية والتواريخ الهجرية الجديدة، وكذلك نبث لكم الخطب المكتوبة والمشكلة والجاهزة التي تتحدث عن مايحدث في البلدان العربية. وإليكم نقدم لكم خطبة الجمعة بعنوان...خطبة الجمعة مشكولة، بعنوان دروس من الاسراء والمعراج.  

بعنوان(دُروسٌ مِنَ الإِسْراءِ وَالمِعْرَاجِ)

    الْحَمْدُ للهِ العَلِيِّ الأَعْـلَى، أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، وَعَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، أَيَّدَهُ رَبُّهُ بِالمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالآيَاتِ البَاهِرَةِ، وَالدَّلاَئِلِ القَاطِعَةِ وَالبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنونَ :

   حَادِثَةٌ نَتَفَيَّأُ ظِلاَلَهَا هَذِهِ الأَيَّامَ، وَيَحتَفِي بِهَا المُسْـلِمُونَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، يَستَلْهِمُونَ مِنْها الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ، وَتُذَكِّرُهُمْ بِسِيرَةِ خَيْرِ البَشَرِ -صلى الله عليه وسلم- ، حَادِثَةٌ جَعَلَهَا اللهُ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- هَدِيَّةً، وَلِلْمُؤْمِنينَ بِهِ امتِحَانًا وَتَمْحِيصًا، إِنَّهَا ذِكْرَى حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، تِلْكَ الذِّكْرَى التِي لاَ تَنْقَضِي عِبَرُهَا، وَلاَ تَفْنَى عِظَاتُهَا، افْتَتَحَ اللهُ بِهَا سُورَةً مِنْ سُوَرِ كِتَابِهِ الكَرِيمِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))(1)، فَابْتَدَأَتِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ بِتَنْزِيهِ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ وَبَيَانِ عَظَمَتِهِ، لِتَدُلَّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الحَدَثِ وَجَلاَلَةِ المَوقِفِ، وَوَصَفَتِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- بِصِفَةِ العُبُودِيَّةِ للهِ، لِتُؤَكِّدَ أَنَّ رِعَايَةَ اللهِ لَهُ شَامِلَةٌ، وَعِنَايَتَهُ سُبْحَانَهُ لَهُ مُصَاحِبَةٌ، ثُمَّ بَيَّنَتِ السَّبَبَ الرَّئِيسَ مِنْ وُقُوعِ هَذِهِ الحَادِثَةِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ((لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا))(2)، لَقَدْ فَتَحَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- آفَاقًا إِيمَانِيَّةً، فَازْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ بِرَبِّهِ، وَيَقِينُهُ بِوَعْدِهِ، فَبَعْدَ أَنْ كَانَ فِي مَكَّةَ وَبَيْنَ شِعَابِهَا، هَا هُوَ يَطَّلِعُ عَلَى العَوَالِمِ الأُخْرَى، وَيَرَى الآيَاتِ العُظْمَى، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))(3)، لَقَدْ جَمَعَتْ هِذَهِ الحَادِثَةُ دُرُوسًا إِيمَانِيَّةً وَفِكْرِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً وَاجتِمَاعِيَّةً، يَستَضِيءُ بِهَا المُسْـلِمُ فِكْرًا وَعَمَلاً، إِنَّهَا تُؤَكِّدُ أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ مُطْلَقَةٌ، وَأَنَّ اللهَ لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ، وَمَا نَوَامِيسُ الكَوْنِ إِلاَّ مِنْ صُنْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ، تَمْضِي كَمَا أَرَادَ، وَيَنْقُضُهَا مَتَى شَاءَ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ قَرَّرَها القُرآنُ الكَرِيمُ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))(4)، إِنَّ العَقْلَ البَشَرِيَّ لَيْسَ مِنَ السَّهْـلِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَنِعَ بِهَذِهِ الحَادِثَةِ، وَقَدْ تَعَوَّدَ خِلاَفَهَا فِي نَوَامِيسِ الكَوْنِ، فَكَيْفَ يَسِيرُ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ وَيُعْرَجُ بِهِ إِلَى أَعَالِي السَّمَاواتِ وَيَرْجِعُ فِي بَعْضِ لَيْـلَةٍ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَكُونُ الخَبَرُ مِنَ اللهِ، وَالأَمْرُ أَمْرَهُ، فَإِنَّ المُؤْمِنَ يَقُولُ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: ((أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(5)، إِِنَّهَا دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِ الإِيمَانِ بِالغَيْبِ، ذَلِكَ الرُّكْنِ الذِي هُوَ مِنْ أَهَمِّ مُقْتَضَياتِ الإِيمَانِ، فَقَدِ افْتَتَحَ اللهُ بِهِ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ، فِي أَوَّلِ سُورَةٍ بَعْدَ فَاتِحَةِ الكِتَابِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((آلم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(6)، وَلِهَذا فَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ العَظِيمَةُ امتِحَانًا وَاختِبَارًا لِذَوِي الإِيمَانِ، هَلْ يُصَدِّقُونَ فَوْرًا أَم يَتَلكَّؤُونَ وَيَتَرَدَّدُونَ؟ ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ))(7)، وَكَمَا أَنَّ هَذِهِ الوَاقِعَةَ تَزِيدُ المُؤْمنِينَ مَعْرِفَةً بِاللهِ، فَهِيَ تَزِيدُهُمْ مَعْرِفَةً بِنَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وسلم- ، وَتَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ عِنْدَهُمْ، فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا أَيَّمَا إِكْرَامٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ، وَأَمَّ إِخْوَانَهُ الأَنْبِيَاءَ، وَوَصَلَ حَيْثُ لَمْ يَصِلْ مَخْلُوقٌ، فَأَكَّدَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ أَنَّ قَدْرَهُ عَظِيمٌ، وَمَنْزِلَتَهُ سَامِيَةٌ، وَهَذَا تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَدَرْسٌ لِلْمُنَاوِئينَ وَالجَاحِدِينَ، لِيَزْدَادَ الذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا، وَيَعْـلَمَ المُكَذِّبُونَ أَنَّهُمْ يُعَادُونَ عَظِيمًا، وَيُخَالِفُونَ مَنْ لَهُ المَكَانَةُ الرَّفِيعَةُ عِنْدَ اللهِ، فَلْنَعْرِفْ قَدْرَ نَبِيِّنَا الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَلْنُبَيِّنْ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ أَنَّهُ عَظِيمٌ.

   أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :

   فِي هَذِهِ الحَادِثَةِ الجَلِيلَةِ فُرِضَتْ عَلَيْنَا أَعْظَمُ التَّشْرِيعَاتِ العَمَلِيَّةِ، وَأَعْلاَهَا قَدْرًا وَأَكْثَرُها أَهَمِّيَّةً، إِنَّهَا الصَّلاَةُ التِي شُرِعَتْ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي السَّمَاوَاتِ العُلاَ، تَشْرِيعًا نَظَرِيًّا وَتَطْبِيقًا عَمَلِـيًّا، فَقَدْ صَلَّى المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- بِإِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ إِمَامًا، وَائْتَمُّوا بِهِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ مَكَانَةِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَرَفِيعِ مَنْزِلَتِهَا، كَيْفَ لاَ؟ وَهِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَمِقْيَاسُ الإِيمَانِ، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ العَبْدُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، وَقَدْ أَوْصَاكُمْ بِهَا نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخِرِ لَحَظَاتِ عُمُرِهِ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ: ((الصَّلاَةَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا وَقِيمَتَها، فَغَدا لَهَا مُحَافِظًا، وَلِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا مُرَاعِيًا وَحَافِظًا، كَمَا أَنَّ فِي رِحْـلَةِ الإِسْرَاءِ التِي ابتَدَأَتْ بِمَسْجِدٍ وَانْتَهَتْ بِمَسْجِدٍ لَدَلِيلاً عَلَى المَكَانَةِ التِي يَتَبَوَّؤُها المَسْجِدُ فِي الإِسْلاَمِ، وَدَوْرِهِ العَمَلِيِّ وَالتَّرْبَوِيِّ وَالاجتِمَاعِيِّ، وَلِذَا كَانَتْ عِمَارَةُ المَسَاجِدِ مِنْ أَدِلَّةِ الإِيمَانِ بِاللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))(8).

   أَيُّهَا المُؤْمُِِنونَ :

   إِنَّ فِي الحَيَاةِ شَدَائِدَ وَابتِلاَءَاتٍ، وَمِحَنًا وَصُعُوبَاتٍ، يَكُونُ الإِنْسَانُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى مَنْ يُعِينُهُ عَلَيْهَا، وَيَقِفُ بِجَانِبِهِ فِيهَا، يُؤَازِرُهُ وَيُخَفِّفُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، وَتَسْرِيةً عن قَلْبِهِ، وَقَدْ عَادَاهُ المُشْرِكُونَ وَآذَاهُ الحَاقِدُونَ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَزِيدَهُ بِهِ إِيمَانًا، وَعَلَيْهِ تَوَكُّلاً وَيَقِينًا، بِأَنَّ لَهُ رَبًّا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَلاَ يَضِيرُهُ عِنْدَهَا إِرْجَافُ المُرْجِفِينَ، وَلاَ حَسَدُ الحَاسِدِينَ، فَإِنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ، فَإِنَّ فَسِيحَ الأَرْضِ مُلْكٌ لِمَنْ بَعَثَهُ هَادِيًا وَبَشِيرًا، وَالسَّمَاواتِ فِي قَبْضَةِ مَنْ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا، إِنَّها هَدِيَّةٌ قَدَّمَهَا اللهُ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الوَقْتِ الذِي كَانَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا، وَقَدْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ الأَحْزَانُ بِمَوْتِ عَمِّهِ المُسَانِدِ وَزَوْجِهِ المُخْلِصَةِ، وَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ الهُمُومُ بِتَكْذِيبِ أَهْـلِ مَكَّةَ وَالطَّائفِ، وَفِي هَذَا دَرْسٌ فِكْرِيٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ لِكُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَأَنَّ الفَرَجَ بَعْدَ الشِّدَّةِ، ومِنْ رَحِمِ الظَّلاَمِ يَخْرُجُ النُّورُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))(9)، فَيَا مَنْ ابتُِليَ بِالمَصَائِبِ، وَأَصَابَتْهُ الشَّدَائِدُ؛ ثِقْ بِرَبِّكَ وَأَيقِنْ بِمَولاَكَ، وَاعلَمْ أَنَّ خَلاَصَكَ بِيَدِ اللهِ؛ فَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ، وَارْجُ مِنْهُ النَّوَالَ، وَاسأَلْهُ كَشْفَ البَلاَءِ، مُخْلِصًا إِلَيْهِ اللُّجُوءَ وَالدُّعَاءَ، وَلْيَكُنْ لَكَ فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دَرْسٌ يَفْتَحُ عَيْنَيْـكَ عَلَى حَقِيقَةٍ رُبَّمَا تَكُونُ قَدْ غَفَلْتَ عَنْهَا، أَو أَنْسَتْكَ المَصَاعِبُ عِلْمَهَا، وَلْيَكُنِ الصَّبْرُ لَكَ صَاحِبًا، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ امتِحَانٍ وابتِلاءٍ، أَمَا سَمِعْتَ قَولَ اللهِ تَعَالَى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))(10).

   أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

                                                        

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (3.7مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
الخطبة الثانية

   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.                                  

   أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :                                  

   إِنَّ فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دَرْسًا عَظِيمًا مِنْ دُرُوسِ التَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ، فَفِيهَا أُنْمُوذَجٌ حَيٌّ لِلصَّاحِبِ الصَّالِحِ، وَالصَّدِيقِ المُخْلِصِ النَّاصِحِ، فِعنْدَما رَجَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَذِهِ الرِّحْـلَةِ، وَحَكَى لِلنَّاسِ مَا حَدَثَ لَهُ انْقَسَمَ النَّاسُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ مُوقِنٍ، وَمُكَذِّبٍ أَو مُشَكِّكٍ، وَظَنَّها المُغْرِضُونَ فُرْصَةً لِلإِيقَاعِ بَيْنَ الخِلِّ وَخَلِيلِهِ، وَالصَّاحِبِ وَصَدِيقِهِ، فَهُرِعُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُخْبِرُونَهُ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ صَاحِبُهُ مِنْ عَجَبٍ عُجَابٍ، مِمَّا لَمْ تَتَصَوَّرْهُ عُقُولُهُمُ القَاصِرَةُ، وَلَمْ تَقْتَنِعْ بِهِ قُلُوبُهُمُ الكَافِرَةُ، فَقَالَ الصَّاحِبُ المُخْلِصُ، وَالمُؤْمِنُ المُوقِنُ مَا رَدَّ كَيْدَ الحُسَّادِ، وَكَانَ جَوَابَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((إِنْ كَانَ قَالَ فَقَدْ صَدَقَ))، كَلِمَاتٌ قَصِيرَةٌ، وَجُمْـلَةٌ يَسِيرَةٌ، حَمَلَتْ مَعَانِيَ لَهَا وَزْنُهَا فِي مَوَازِينِ الأُخُوَّةِ، وَدُرُوسًا عَظِيمَةً فِي فُنُونِ الأَخْلاَقِ، وَهَكَذَا هِيَ الشَّدَائِدُ، تُبَيِّنُ مَعَادِنَ الرِّجَالِ، وَتُبَيِّنُ لِلإِنْسَانِ صَدِيقَهُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَخَلِيلَهُ مِنْ خَصْمِهِ، فَمِنَ السَّهْـلِ أَنْ يَجِدَ الإِنْسَانُ صَاحِبًا لَهُ فِي رَخَائِهِ عِنْدَ الْتِفَافِ النَّاسِ حَوْلَهُ، وَإِقْبَالِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، وَمَا أَكْثَرَ الأَصْدِقَاءَ حَوْلَ الإِنْسَانِ إِنْ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَقْسُو عَلَيْهِ الزَّمَنُ، أَو تُحِيطُ بِهِ الشَّدَائِدُ، أَو تَحُومُ حَوْلَهُ التُّهَمُ المُلَفَقَّةُ، تَنْفَضُّ مِنْ حَوْلِهِ الجُمُوعُ، وَيَبْـقَى الصَّاحِبُ المُخْلِصُ إِلَى جِوَارِ صَاحِبِهِ مُنَاصِرًا ومُؤَازِرًا، وَهَذَا مَا كَانَ مِنْ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَقَدْ وَقَفَ وَقْفَةَ المُصَدِّقِ المُوقِنِ، الذِي لَمْ يَشُكَّ لَحْظَةً فِي صِدْقِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، وَلِهَذَا مَنَحَهُ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- لَقَبًا مِنْ أَفْضَلِ الأَلْقَابِ، فَسَمَّاهُ الصِّدِّيقَ، كَمَا أَشَادَ بِإِيمَانِهِ فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَهْـلِ الأَرْضِ بإِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ))، إِنَّ مِنْ فَوَائِدِ الشَّدَائِدِ أَنَّهَا تُقَرِّبُ الصَّدِيقَ إِلَى صَدِيقِهِ، وَتُدْنِي قَلْبَيْهِمَا، حَيْثُ تُشْعِلُ مَشَاعِرَ الوُدِّ، وتُذْكِي عَوَاطِفَ الأُخُوَّةِ، وَيَكُونُ لِذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الأَثَرِ الجَمِيلِ، مُتَمَثِّلاً فِي قُوَّةِ الوِفَاقِ وَالوِئَامِ، وَمُتَرْجَمًا إِلَى المُؤَازَرَةِ وَالالتِحَامِ، إِنَّ الصَّاحِبَ الحَقَّ هُوَ مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِصَاحِبِهِ، وَإِنْ حَاوَلَ المُغْرِضُونَ إِلقَاءَ التُّهَمِ عَلَيْهِ، أَو التَّشْكِيكَ فِي عَدَالَتِهِ وَنَزَاهَتِهِ، فَيَظَلُّ فِي حُكْمِهِ لَهُ عَادِلاً، مُتَّخِذًا التَّيَقُّنَ وَالتَّعقُّلَ دَلِيلاً وَمَسْلَكًا، حتَّى يَكُونَ لِصَاحِبِهِ الصَّدْرَ الذِي يَلْجأُ إِلَيْهِ، وَالقَلْبَ الذِي يَثِقُ فِيهِ.

   فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واستَلْهِمُوا مِنْ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ دُرُوسًا فِي تَعَامُلِكُمْ، وَطَرِيقًا لِلإِخْلاَصِ فِي صُحْبَتِكُمْ، وَدَلِيلاً إِلَى صَفَاءِ قُلُوبِكُمْ.

   هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (11).

   اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

   اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

   اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

   اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

   رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

   رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

   عِبَادَ اللهِ :

(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).

(1) سورة الإسراء/ 1.

(2) سورة الإسراء/ 1.

(3) سورة النجم/ 18 .

(4) سورة يس/ 82.

(5) سورة البقرة/ 259.

(6) سورة البقرة/ 1-3.

(7) سورة العنكبوت/ 2.

(8) سورة التوبة/ 18.

(9) سورة الشرح/ 5-6.

(10) سورة البقرة/ 214.

(11) سورة الأحزاب / 56 .

خطبة الجمعة مشكولة، بعنوان دروس من الاسراء والمعراج، مع الدعاء آخر الخطبة
بواسطة (3.7مليون نقاط)
خطبة الجمعة بعنوان: لمحات ودروس من معجزة الإسراء والمعراج
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد عباد الله: جَرَتِ العادةُ في أواخر شهر رجب الحرام، أن نتحدَّثَ عن معجزة من أهم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي معجزة الإسراء والمعراج، لذلك اخترت أن يكون موضوع خطبة اليوم عن لمحات ودروس من معجزة الإسراء والمعراج.
أخوة الإيمان: إن إعجاز حادثة الإسراء والمعراج التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم تتلخصُ في ما يلي:
أولا: انتقالُ النبي ﷺ من البيت الحرام إلى بيت المقدس وقطعُ هذه المسافة في جزء من الليل بواسطة البُرَاقِ سَخَّرَهُ الله تعالى لعبده ﷺ ، في وقت كان الانتقال من بلد إلى بلد آخر بعيدٍ عنه يحتاج أياما وشهورا، ويشهد لهذا قول الله تعالى في سورة الإسراء : " سُبْحَٰنَ اَ۬لذِےٓ أَسْر۪يٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلاٗ مِّنَ اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ إِلَي اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لَاقْصَا اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنَ اٰيَٰتِنَآۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ (1)".
ثانيا: صعود النبي ﷺ من الأرض إلى السماء السابعة ومنه إلى سدرة المنتهى جسدا وروحا، كما ذَكَرَ ذلك القرآن الكريم في سورة النجم: " وَالنَّجْمِ إِذَا هَو۪يٰ (1) مَا ضَلَّ صَٰحِبُكُمْ وَمَا غَو۪يٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ اِ۬لْهَو۪يٰٓ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٞ يُوح۪يٰۖ (4) عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ اُ۬لْقُو۪يٰ (5) ذُو مِرَّةٖ فَاسْتَو۪يٰ (6) وَهُوَ بِالُافُقِ اِ۬لَاعْل۪يٰۖ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلّ۪يٰ ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوَ اَدْن۪يٰۖ (9) فَأَوْح۪يٰٓ إِلَيٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْح۪يٰۖ (10) مَا كَذَبَ اَ۬لْفُؤَادُ مَا ر۪أ۪يٰٓۖ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَيٰ مَا يَر۪يٰۖ (12) وَلَقَدْ ر۪ء۪اهُ نَزْلَةً ا۟خْر۪يٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ اِ۬لْمُنتَه۪يٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ اُ۬لْمَأْو۪يٰٓ (15) إِذْ يَغْشَي اَ۬لسِّدْرَةَ مَا يَغْش۪يٰۖ (16) مَا زَاغَ اَ۬لْبَصَرُ وَمَا طَغ۪يٰۖ (17) لَقَدْ ر۪أ۪يٰ مِنَ اٰيَٰتِ رَبِّهِ اِ۬لْكُبْر۪يٰٓۖ (18)".
ثالثا: لقاؤه ﷺ بالأنبياء السابقين كما أخبرنا بذلك النبي ﷺ عندما قال في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وأخرجه البخاري ومسلم: " ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: وَمَنْ أَنْتَ: قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ، فَقِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ ...فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ... فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ... فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْر’’ ، وفي الخامسة هارون عليه السلام، وفي السادسة كليم الله موسى عليه السلام، أما في السابعة فيجد أبا الأنبياء إبراهيمَ عليه السلام مستندا إلى البيت المعمور.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لقد حَامَتْ حول قصة الإسراء والمعراج شكوك كثيرة، بدءا من مشركي قريش الذين ما إن سمعوا كلام النبي ﷺ حتى أخذوا في الصفير والتصفيق والتهريج تكذيبا له واستهزاء، حتى في عصرِنا هذا، من أناس يُكَذِّبُونَ ما حصل للنبي ﷺ ويدَّعُون أن رحلة الإسراء والمعراج إنما كانت رؤيا أو كَشْفًا رآه رسول الله ﷺ بين المنام واليقظة، وليست رحلة بالجسد، ولا غَرَابَةَ في هذا التكذيب من البعض لأن الإيمان بالمعجزات والغيبيات خاصيةٌ من خاصيات المؤمنين- ، وهذا أول درس ينبغي أن نأخذه من هذه الحادثة أن المؤمنين الصادقين في إيمانهم لا يناقشون الغيبيات القطعية التي أخبرنا عنها الوحي، فالمؤمن الصادق لا يُشَكِّكُ في وجود الله ولا في وجود أنبيائه وملائكته واليوم الآخر والجنة والنار...، ولذلك ارتد بعض المسلمين عن الإسلام لما سمعوا النبي ﷺ يُحَدِّثُهُم عما جرى ليلة الإسراء والمعراج، وثَبَتَ أبو بكر وسُمِّي من حينها صِدِّيقًا، وقال رضي الله عنه ‘‘إن كان قالها فقد صدق’’.
فاللهم اجعلنا من أتباع حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم  المحبين له والمصدقين لما جاء به، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفوةُ خلقه ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله: إن تمام المعجزة لِتكون أمرا خَارِقًا للعادة لا يكون برؤيا أو كَشْفٍ للنبي صلى الله عليه وسلم  وإنما في انتقاله الشريف جسدا وروحا من مكة إلى بيت المقدس في زمن لم تكن فيه وسائل النقل متطورة كما هو الحال في عصرنا الحالي، ثم في صعوده إلى السماوات السبع ومنها إلى سدرة المنتهى وبالتالي تسجيله كأول رائد فضاء يَنْفُذُ من أقطار السماوات والأرض، من دون صاروخٍ ولا محطة إطلاق، وإنما بقدرة من بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير، وهذه حكمة جلية من هذه المعجزة ألا وهي إظهار قدرة الله عز وجل الذي لا يعجزه شيء.
أيها الإخوة المؤمنون: من دروس الإسراء والمعراج أيضا، أنه خلال هذه الرحلة المباركة فرَضَ ربُّ العزة الصلاةَ، فشَرَّفَ هذا الركن الثاني من أركان الإسلام أن يكون تشريعه في سدرة المنتهى مباشرة من الله عز وجل، من دون واسطة جبريل عليه السلام كما هو الحال في فَرْضِ التشريعات الأخرى، وهذا يدلُّ على عِظَمِ شأن هذه العبادة، وأيضا على أنها مِعرَاجُ المؤمن إلى الله بروحه وقلبه، وأنَّ من أرادَ قضاء حوائجه فعليه بالصلاة، ومن كان قلبه مهموما ومغموما وضاقت عليه الدنيا بما رَحُبَتْ  فليَلْجَأْ إلى الله بالصلاة، ففيها سينسى الإنسان همومه وأحزانه لأن روحه تصعدُ إلى السماء فيُحسُّ بقُرْبِهِ من الله وأن الله معه قريبٌ منه مجيبُ دعوته، فقط وجبَ أن نؤديها بخشوع وخضوع وإنابة إلى الله عز وجل.
فاللهم إنا نسألك الثبات على الإيمان بك وبما أنزلته على نبيك... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..
اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم..
0 تصويتات
بواسطة (3.7مليون نقاط)
خطبة الجمعة مشكولة، بعنوان دروس من الاسراء والمعراج، مع الدعاء آخر الخطبة

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع مدينة العلم، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...