خطبة الجمعة: كن من خير الناس. خطبة جمعة مفيدة ومؤثرة مكتوبة
خطبة الجمعة: كن من خير الناس. خطبة جمعة مفيدة ومؤثرة مكتوبة
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: فُرْصَةُ الحَيَاةِ فُرْصَةٌ طَيِّبَةٌ للتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى، انْطَلَقَ مِنْ خِلَالِهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، مِنْ مُنْطَلَقِ: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾. مِنْ مُنْطَلَقِ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾. مِنْ مُنْطَلَقِ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾.
انْطَلَقَ مِنْ خِلَالِهَا لِيَكُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ».
فَالإِحْسَانُ إلى النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ لِاسْتِجْلَابِ نِعَمِ اللهِ تعالى، وَدَفْعِ نِقَمِهِ وَسُخْطِهِ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللهِ تعالى، وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمَتُهُ بِمِثْلِ الإِحْسَانِ إلى خَلْقِ اللهِ تعالى.
مِنَ الإِحْسَانِ للنَّفْسِ الصَّدَقَةُ:
يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ النَّفْعِ للنَّفْسِ الصَّدَقَةُ، انْفَعْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بِالصَّدَقَةِ، وَاسْتَحْضِرِ الحَدِيثَ الشَّريفَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ، يَا بْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟».
بِتِلْكَ الصَّدَقَةِ يَزِيدُ مَالُكَ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».
تِلْكَ الصَّدَقَةُ تَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الإمام أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ».
تِلْكَ الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا، وَتَدْفَعُ عَنْكَ مِيتَةَ السُّوءِ، وَتُطْفِئُ حَرَّ قَبْرِكَ، روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ».
وفي رواية الطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ».
الصَّدَقَةُ قَرْضٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللهُ تعالى يُضَاعِفُ لَكَ العَطَاءَ.
روى البيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ اللهَ لَيُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟
قَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ».
قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدَهُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي.
قَالَ: وَحَائِطُهُ فِيهِ سِتَّمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهِ وَعِيَالُها.
قَالَ: فَجَاءَهَا أَبُو الدَّحْدَاحِ فَنَادَاهَا: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ.
فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ.
فَقَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي.
وفي رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ» فَأَبَى.
فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي؛ فَفَعَلَ.
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي.
قَالَ: «فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ» قَالَهَا مِرَارًا.
قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ.
فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ ـ أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا ـ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: أَحْسِنُوا لِأَنْفُسِكُمْ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، فَهِيَ فُرْصَةٌ طَيِّبَةٌ لِتُجَّارِ الآخِرَةِ، فُرْصَةٌ طَيِّبَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنَفِّسَ اللهُ كَرْبَهُ دُنْيَا وَأُخْرَى، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللهِ؟
قَالَ: آللهِ.
قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ».
وَفُرْصَةٌ طَيِّبَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ دَعْوَتَهُ، روى الإمامُ أحمدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ، فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاغْتِنَامِ أَنْفَاسِ أَعْمَارِنَا بِطَاعَتِكَ وَالقُرْبِ مِنْكَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.