خطبة الجمعة للعام 2022 بعنوان حكم الاحتفال يرأس السنة الميلادية وماواجب المسلمين
الخطبة الأولى...... والخطابة الثانية اسفل الصفحة الرئيسية ⬇️⬇️
خطبة الجمعة للعام 2022 بعنوان حكم الاحتفال يرأس السنة الميلادية وماواجب المسلمين
خطبة الجمعة للعام 2022 الجديد مع الدعاء
حديثنا اليوم عن أعياد النصارى, وأبرزُها عيد رأس السنة الذي يحل بعد أيام.
أيها المسلمون: يتخذ الغزو الفكري والعولمة الثقافية, أشكالاً عديدة وألواناً مختلفة، لعل أخطرَها ذلك الذي يتصل بالجانب العقدي, ويتسلل بنعومة ويتسرب خفية, فلا ينتبه الناس إلاّ وقد تورطوا في أعمال مخالفة للشرع, منافية لأخلاقهم، وخير نموذج لذلك الغزو, وأصدق تمثيل لتلك الممارسات, ما يحدث في معظم بلاد المسلمين من تقليد الغربيين, في الاحتفال برأس السنة الميلادية, ومجاراتِهم في طقوس هذا الحفل, فترى بعض المسلمين يُعِدُّون له بجدّ وحماس، فيتسابقون إلى محلات الحلويات لشراء كعكة الميلاد، ويزينون منازلهم بالأضواء، ويحرصون على اقتناء الشجرة المعروفة، ويُهدون إلى أطفالهم لعباً نفيسة, وربما أوهموهم أنها من (بابا نويل)..! زعموا.
إن المسلمين المنهزمين اليوم, قلدوا الغرب "القوي" في كل شيء سافل تافه, من الأقوال والأفعال، ليس في العلم والاختراع والصناعة والابتكار والجدّ، وإنما قلدوه في الأخلاق والأكل والشرب, واللغة والعادات, وفي قوانين الحكم ونظم الحياة, ومن جملة ما قلدوه فيه, مصيبة الاحتفال برأس السنة الميلادية، باسم الرقي والتقدم والحضارة والتطور، وتحت شعارات: التعايشُ السلمي والأُخوةُ الإنسانية، والنظامُ العالمي الجديد والعولمة، وغيرها من الشعارات البراقة الخادعة.
لقد انتشر هذا المنكر الشنيع بين المسلمين وانشغلوا به انشغالا كبيرا، واهتمّوا به وتهيّؤوا له، واتخذوا مناسبته عطلة وعيدا لهم، وذلك بسبب ضعف الإيمان في قلوبهم, وتقليد النصارى واتِّباع سيرتهم ونهجهم في كل ما يفعلونه، وبسبب الانبهار والإعجاب بحضارة الغرب المادية الزائفة, والانخداع ببريقها المخدر، وبسبب الغزو الفكري والثقافي, والترويج الإعلامي الذي يحرّض على هذه الضلالات، ويَلفتُ إليها أنظار الناس وأسماعهم، فما أن تقتربَ هذه المناسبة, حتى ترى المسلمين يستعدون لها وكأنها من أصول الإسلام، بل منهم من يعتبرها أهم وأولى من الأعياد والمناسبات الدينية, والأحداثِ التاريخية الإسلامية، فجعلوها معيارا يسير عليه التاريخ، بدل اعتماد التاريخ الهجري, الذي يجعل المسلمين مرتبطين بأصولهم ودينهم، وسبب ذلك أن الناس أصيبوا بخلل في معارفهم الدينية, ونقص في زادهم الإيماني، حتى أصبحوا لا يفرقون بين ما هو حلال وبين ما هو حرام، ولا بين ما هو أصيل ولا ما هو دخيل.
ويَعظُم الإثم بما يفعله بعض المسلمين اليوم, من السفر إلى بلاد النصارى في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر, لمشاركة النصارى حفلاتهم, ولا شك أن هذا (سفر معصية) يأثم صاحبه.
ولا يدري هؤلاء المساكين, الذين يهللون ويرقصون لمقدم السنة الجديدة, أن ذلك يدخل في موالاة النصارى باتباعهم في عاداتهم، وتعظيم شعائرهم الدينية، ومشاركتهم في خصائصهم.
إخوة الإيمان، إن هذا التقليدَ الكلّي لما هو غربي، ناتجٌ عن نقصان الإيمان بالله أو انعدامه، مع ضياع العقيدةِ الصحيحةِ أو انعدامها، وانسلاخٌ من مستلزمات التميز الإسلامي، ومنكر يُدخِلنا في دائرةِ من قَالَ فيهم رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" رواه أحمد وأبو داود.
قال الإمام أحمد: "وهذا الحديثُ أقلُّ أحواله أنه يقتضي تحريمَ التشبُّهِ بهم، وإن كان ظاهرهُ يقتضي كفرَ المتشبِّهِ بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} اهـ كلامه, وتشبُّهُ المسلمين بالكفار هبوط وسفولٌ، لأن المسلمَ أعلى من الكافر، فإذا قلدَهُ هبط من عليائِهِ ومنزلتِهِ، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهذا كفرانٌ للنعمةِ وإهانة للإسلام، والإسلامُ يعلو ولا يُعلى عليهِ, وشريعتنا تقيمُ لنا هدْياً مخالفاً للكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فشريعتنا ناسخة لا منسوخة، وأمتنا متبوعة لا تابعة.
وعليه لا يَحِلُّ لمسلم أن يُحْييَ عيدَ رأس السنةِ، فليسَ عيدُنا أهلَ الإسلام هذا اليوم.
وعلى تجار المسلمين أن لا يساهموا في مظاهر الاحتفال، فيتشبهوا بالتجار من النصارى في نوع التجارة التي يروجون لها هذه الأيام، وعدم تزيينُ المحلات بالأضواءِ ونحوها.
ومن صور المشاركة, أن نبيعهم كل ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم وأعيادهم، وهذا لا يجوز، وبيعهم هذه الأشياءَ حرام، فلا يجوز أن يباع لهم أي شيء, يستعينون به على إقامة كفرهم وضلالهم وشعائرهم الدينية، فالذي يستورد لهم شجرة الميلاد, والذي يبيع لهم أنوار الزينة, والذي يبيع لهم بطاقات المعايدة والتهنئة, والذي يؤجر لهم الفنادق أو المسارح, أو المجمعات السكنية, ليقيموا فيها حفلات الميلاد, فعمله هذا حرام، وماله الذي يجنيه من ذلك سحت، وأي لحم نبت من سحت فالنار أولى به، قال شيخ الإسلام: "ولا يجوز بيع كل ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم".
ونقلَ الفقيه المغربيُّ ابنُ الحاج في كتابه المدخل، عن علماء المذهب المالكي, أنه: "لا يَحِلُّ للمسلمينَ أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ، لا لحْماً ولا إداماً ولا ثوباً... ولا يعانون على شيءٍ من دينهم, لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونِهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن يَنهوُا المسلمين عن ذلك, وهو قولُ مالكٍ وغيرهِ، لم أعلمْ أحداً اختلفَ في ذلكَ" اهـ كلامه.
والواجب علينا أيها الإخوة, أن نقاطع هذه الاحتفالات، ألا يستطيع كلُّ واحدٍ منا أن يَمْنعَ أولادَهُ وبناتِهِ, وكلَّ من في بيتِهِ عن هذه الاحتفالاتِ الماجنةِ.
فباللهِ عليكم, كيفَ يُعْقلُ من أبٍ مسلِم أن يرَى أولادَهُ وبناتِه, يستعدون ويهيئون داخل بيته للاحتفال برأس السنة, وهو لا يحرِّكُ ساكناً.
بل من الآباء المسلمين من يشاركهمْ في احتفالهم, فيشتري لهم كلَّ الحاجياتِ، ويهيئُ لهم الجوَّ المناسبَ ليسهرَ مع أهله ومعارفه، وأصدقاء بناته, وصديقات أبنائه, على أنغام الموسيقى المائعةِ والأغاني الخليعةِ، والرَّقص المختلطِ, وكلِّ ما حرَّمَ اللهُ من أعمالٍ يندى لها الجبينُ، وتبكي لها المروءَة، وتئنُّ منها الغَيْرَة، وتشكو منها الفضيلة.
ويَعدُّ كلَّ هذا شيئاً عادِياً لا حرَجَ فيه، وينسى أنه مسؤولٌ عن رعيته الخاصةِ وصيانتها. قال تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
والأدهى والأمرّ, أنّ كثيراً من المسلمين سيشاركون في تلك الاحتفالات, بدعوى أنها مناسبة عالمية تهم سكان الأرض كلَّهم، وما علم هؤلاء, أنّ هذا الاحتفال هو احتفال بِعِيد ديني نصراني (عيد ميلاد المسيح وعيد رأس السنة الميلادية) وأنّ المشاركة فيه مشاركة في شعيرة من شعائر دينهم، والفرحَ به فرحٌ بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وفي ذلك من الخطر على عقيدة المسلم وإيمانه ما فيه.
عباد الله: العيد هو شعار كل قوم أو شعب، فإذا أمكن لنا أن نستورد من أمة ما, أشياءَ نحن بأمس الحاجة إليها، كبعض السلع والصناعات مثلاً, فلا يمكن أن نستورد أيضاً أعيادها وطقوسها في الاحتفال, إن العيد ليس فقط عبارة عن تزاور وأكل وفرح، بل هو دليل على الانتماء الحضاري أو الديني، وهو يشعرك بأنك جزء من الجماعة التي تحتفل به، تفرح إذا فرحت وتحزن إذا أصيبت، ولذلك "حين زجر أبو بكر الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة, صرفه عن ذلك النبي الكريم وقال له: يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا". رواه البخاري ومسلم.
لقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم, للمجتمع الوليد الذي أسسه, أعيادَه الخاصة به، وأسقط أيامه وأعياده الجاهلية، وكان ذلك جزء من بناء الأمة الجديدة, فحين قدم النبي المدينة وجد لأهلها يومين يلعبون فيهما، فسألهم: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر". رواه أحمد وأبوداود.
إن الناس يحتاجون إلى العيد والاحتفال؛ فتلك طبيعة بشرية قديمة، ولهذا كان الشارع حكيماً حين وضع للمسلمين أياماً خاصة يعيِّدون فيها، فيأكلون ويفرحون ويتزاورون, وذلك إشباعاً لغريزة إنسانية, هي الاحتفال بأيام استثنائية ليست كسائر أيام السنة, ولذا يجب أن نعتني أكثر بأعيادنا، ونعظمها ونستعد لها، ولا بأس أن نبدع فيها طرائق متعددة للاحتفال, مما يتغير بتغير العصر والزمان.
عباد الله: الأدلة على تحريم الاحتفال بأعياد النصارى كثيرة, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} قال ابن عطية: "نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية, عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء, في النصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة, وحكم هذه الآية باقٍ، وكل من أكثر مخالطة هذين الصنفين, فله حظه من هذا المقت الذي تضمنه قوله تعالى: {فَإنَّهُ مِنْهُمْ}. وقال تعالى أيضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}.
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!".
أما النهي عن مشابهة اليهود والنصارى, في أمور مخصوصة والأمر بمخالفتهم, فقد تواترت الأدلة على معناه, ومن ذلك قوله عليه السلام: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم". وقوله: "خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى", وقوله: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يُصلُّون في نعالهم ولا خفافهم", وكذلك الأمر بمخالفتهم في صيام عاشوراء, بأن يضاف إليه التاسع, وغير ذلك من العادات والعبادات، فهذا يدل على أن مخالفتهم مطلوبة.
حتى قال اليهود أنفسهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم, في كثير من المباحات وصفات الطاعات؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم, كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم". وقال أيضا: "فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وإنْ بعد المكان والزمان، وهذا أمر محسوس. فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة" اهـ كلامه
عباد الله: أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية
اسفل الصفحة الرئيسية ⬇️⬇️