مملكة السلاجقة وقت وفاة الملك شاه 1092 م. كانت عاصمة هذه المنطقة أصفهان (نجمة على الخريطة)
ارتبط نجاح ملكشاه في سياسة الدولة بوزيره "نظام الملك" الذي كان له أثر لا يُغفل ويد لا تُنسى في ازدياد قوة الدولة السلجوقية، واتساع نفوذها، وازدهار حركاتها الثقافية، واستطاع بحسن سياسته، ورجاحة عقلة أن يجعل الأمور منتظمة في جميع أنحاء الدولة، وأن يوجه سياسة السلاجقة نحو الثغور الإسلامية المتاخمة للروم، وهو ما أكسب السلاجقة احترام المسلمين وتقديرهم، وبث الهيبة في نفوس أعدائهم.
وقد وضع هذا الوزير النابه كتابًا عظيمًا في تدبير الملك سماه "سياست نامه" ضمنه آراءه في السياسة والحكم، وكيفية إدارة البلادة وتنظيم شئون الحكم. وشجّع نظام الملك على تعمير المدن وإصلاح البلاد، وشيد كثيرًا من المساجد والمدارس، وخلف كثيرًا من الأبنية والآثار العظيمة في بغداد وأصفهان، كما كان خيّرًا عادلاً، أقر الأمن والنظام في جميع البلاد الخاضعة للسلاجقة.
وكان وزيره نظام الملك يهتم بالعلماء والزهاد والمدارس العلمية وينفق عليها الأموال الضخمة، فسعى خصومه بالوشاية إلى السلطان ملك شاه، وقالوا: “إن نظام الملك ينفق في كل سنة على الفقهاء والقراء ثلاثمائة ألف دينار، ولو صُرِف هذا المال على جيش لرفع رايته على أسوار القسطنطينية“. فطلب السلطان وزيره للاستجواب، فردّ عليه قائلاً: “… ثم إنك تنفق على الجيوش المحاربة أضعاف هذا المال مع أن أقواهم وأرساهم لا تبلغ رميته ميلاً، ولا يضرب سيفه إلا ما قرب منه، وأنا أقمت لك بهذا المال جيشًا يسمى جيش الليل، قام بالدعاء إذا نامت جيوشك، فمدّوا إلى الله أكفهم وأرسلوا دموعهم فتصل من دعائهم سهام على العرش، لا يحجبها شيء عن الله، فأنت وجيوشك في خفارتهم تعيشون وبدعائهم تثبتون وببركاتهم ترزقون“. فبكى السلطان وقال بالتركية: “شا باشي يا أبت شا باشي“، وترجمة ذلك بالعربية: “استكثر من هذا الجيش“.[5]
وكان نظام الملك عالمًا أديبًا، محبًا لنشر العلم والثقافة، أنشأ كثيرًا من المدارس التي حملت اسمه، فعرفت بالمدارس النظامية، وكان الهدف من إنشائها مواجهة الدعوة الشيعية التي ذاعت بعد قيام الدولة الفاطمية، وقد انتشرت هذه المدارس في بغداد ونيسابور وطوس وهراة وأصفهان وغيرها من البلاد، غير أن أشهرها "نظامية بغداد" التي تخير نظام الملك لها مشاهير الفكر والثقافة وكبار أئمة العلم للتدريس فيها، مثل: حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، صاحب كتاب إحياء علوم الدين، الذي فوّض إليه نظام الملك مهمة التدريس في المدرسة النظامية في بغداد ونيسابور التي كان يدرّس فيها أبو المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وكان الوزير ينفق في كل سنة على أصحاب المدارس والفقهاء والعلماء ثلاثمائة ألف دينار.
النزاع في حلب عدل
أرسل ملك شاه خلال عهده جيوشاً مرتين متتاليتين لحصار مدينة حلب والاستيلاء عليها، لكنه فشل، فتحرّكت جيوشه (التي يَقودها أخوه "تاج الدولة تتش") جنوباً وفتحت حماة. ودمشق وأظهر حاكم حمص الطاعة لها فتركوه حاكماً.[6] لكن في عام 472 هـ تغيّرت مجريات الأحداث عندما راسل أهل حلب "مسلم بن قرواش العقيلي" لكي يُخلصهم من محمود المرداسي،[7] فأتى إلى حلب واستولى عليها وأسقط بهذا الدولة المرداسية مقيماً مكانها الدولة العقيلية،[8] وقد راسل السلطان السَلْجُوقي وأعلن له الولاء وعرض إرسال مبلغ من المال كل شهر مقابل إبقائه حاكماً لحلب فوافق ملك شاه.[9] لكن لاحقاً نشأ نزاع بين تتش (الذي ولاه ملك شاه على بلاد الشام) ومسلم بن قرواش (الذي أظهر الطاعة للسلاجقة أيضاً)، وقد قتل مسلم في النزاع وتابع من بعده ابنه، لكن تتش نجح بانتزاع حلب منه فقرر ابن مسلم تسليم حلب إلى ملك شاه واستدعاه لذلك، فجاء ملك شاه من المشرق وتسلم حلب (التي تركها تتش وعاد إلى دمشق)، وسيطر ملك شاه أيضاً خلال هذه الحملة على اللاذقية وبضعة مدن أخرى.
ثورة الأناضول عدل
تمرد سليمان على ملك شاه، ونصّب نفسه "سلطان الروم" , جاعلاً عاصمته في نيقية . ووسع ملكه، إلا أنه قـُتِل قرب أنطاكية سنة 1086 من قبل طـُطـُش الأول, الوالي السلجوقي على الشام. ابن سليمان, قـِلـِج أرسلان الأول، اُلقِي القبض عليه وضمت الأناضول إلى حكم ملك شاه في إصفهان. ومن غير الواضح ما إذا كان تتش قد قتل سليمان بدافع الولاء لملك شاه أم ببساطة للتنفع الشخصي